من هنا وهناك (٢٩) الدعاء على أيّ حال
من هنا وهناك (٢٩) الدعاء على أيّ حال
الدعاء موضوعٌ واسعٌ متشعّب، ولا يمكن الإحاطة بكل جوانبه في مقالٍ واحدٍ أو حتى عدة مقالات، إلا أنني أردت الإشارة لجانبٍ من الجوانب المهمة التي تتعلق به.
المخلوقات ناقصةٌ تحتاج إلى ما يسد نقصها، وهي على هذا الحال دائما، لا تبلغ الكمال المطلق، لذلك فهي في حاجةٍ مستمرةٍ في كل آنٍ للكامل مطلقا، وهو الله عزّ وجل، فلو أن يد القدرة رُفعتْ عن المخلوقات للحظةٍ لباتت كلها عدمًا لا يذكر، ويتضح على إثر ذلك دوام الحاجة إلى الخالق تعالى.
من أبرز وأهمّ مصاديق الاتصال واللجوء للغني المطلق الدعاء، فإنه يحمل بين طياته الكثير من الجوانب التعبدية والعقائدية، فهو لجوءٌ من العبد المحتاج الفقير إلى ربه الغني، ومن الداني إلى العالي، وهذا الإقرار الضمني في نفسه فيه ما فيه من الفوائد العظيمة، وله ما له من الآثار الروحية والمعنوية.
مع ما ذكرنا -مختصرًا- نجد الإنسان في غفلةٍ عن حاجته الدائمة لله تعالى، فهو كما قلنا محتاج في كل آن، ولا يغنيه في ذلك سوى الله عز وجل، فإذا أصابه ضرٌّ أو احتاج في أمرٍ تجده يعود إلى ربه، بينما ينأ ويسارع بالابتعاد بمجرد عودة الرخاء، وهذه غفلةٌ عظيمةٌ عن واقع الحال.
قال تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ)[فصّلت/٥١].
نعيش في صحةٍ وعافيةٍ وأمانٍ واطمئنانٍ لكننا لا نلتفت إلى ذلك، فلا نحمد ولا نشكر ولا نقدِّر النعم، وبمضمون الرواية إن الصحة والأمان نعمتان مجهولتان، وهما من أجلى المصاديق، حيث أننا بمجرد أن نفقد شيئًا من الصحة أو نشعر بشيءٍ من الخوف نلتفت، ونعود لله وندعوه ونسأله أن يفرج عنا، وهذا مما أشارت له الآية أعلاه.
الدعاء سلاحٌ عظيمٌ ينبغي للمؤمن أن يتقلده ولا يفارقه، فهو على أقل تقديرٍ جزء علةٍ لصلاح أحواله في الدنيا والآخرة، وطريقُه للاتصال بربه، حيث لا حواجز ولا موانع، فهو على أي حالٍ مطلوبٌ دائما، لا تمر لحظةٌ يكون العبد في غنى عنه، فكما قلنا إن الإنسان يحتاج لعناية ورحمة ربه في كل آن، فهو إذًا يحتاج للارتباط به والتواصل معه في كل آن.
قال تبارك ذكره: (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا)[الفرقان/٧٧].
محمود سهلان
١٥ ديسمبر ٢٠١٨م
تعليقات
إرسال تعليق