الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال العشرون:
]٢٨[
الرواية الثانية: وعن هشام، أنَّه سأل الزِّنديقُ الصادقَ (عليه السلام) عن قول من
زعم: أنَّ الله لم تزلْ معه طينةٌ مؤذية، فلم يستطع التَّفصِّي منها إلا بامتزاجه
بها ودخوله فيها ومن تلك الطينة خلق الأشياء؟
قال: سبحان الله
وتعالى ما أعجز إلهًا يُوصَف بالقدرة، لا يستطيع التَّفصِّي من الطينة، إنْ كانت
الطينة حيَّةً أزليَّةً فكانا إلهين قديمين فامتزجا ودبَّرا العالم من أنفسهما، فإنْ
كان ذلك كذلك، فمن أين جاء الموت والفنا؟ وإنْ كانت الطينة ميتة، فلا بقاء للميت
مع الأزليِّ القديم والميِّت لا يجيء منه حي، هذه مقالة الدَّيصانية أشدِّ
الزنادقة قولًا وأهملهم مثلا، نظروا في كتبٍ صنَّفتها أوايلهم وحبَّروها بألفاظٍ
مزخرفةٍ من غير أصلٍ ثابتٍ ولا حجَّةٍ تُوجب إثبات ما ادعوا، كلُّ ذلك خلافًا على
الله ورسله، وتكذيبًا بما جاؤوا به عن الله.
فأمَّا مَن زعم:
أنَّ الأبدان ظلمةٌ وأنَّ الأرواح نورٌ وأنَّ النور لا يعمل الشرَّ والظلمة لا
تعمل الخير، فلا يجب عليهم أنْ يلوموا أحدًا على معصيته ولا ركوب حرمةٍ ولا إتيان
فاحشة، وأنَّ ذلك على الظلمة غير مستنكَرٍ لأنَّ ذلك فعلها، ولا له أنْ يدعو ربًّا
ولا يتضرع إليه لأنَّ النور ربٌّ والربُّ لا يتضرَّع إلى نفسه ولا يستعيذ بغيره،
ولا لأحدٍ من أهل هذه المقالة أنْ يقول أحسنتُ وأسأت، لأنَّ الإساءة من فعل الظلمة
وذلك فعلها والإحسان من فعل النور، ولا يقول النور لنفسه أحسنتَ يا محسن، وليس
هناك ثالثٌ فكانت الظلمة على قولهم أحكم فعلًا وأتقن تدبيرًا وأعزَّ أركانًا من
النور، لأنَّ الأبدان مُحكمة، فمن صوَّر هذا الخلق صورةً واحدةً على نعوتٍ مختلفةٍ
وكلَّ شيءٍ يُرى ظاهرًا من الزَّهر والأشجار والثمار والدواب والطير، يجب أنْ يكون
إلهًا ثم حبست النور في حبسها والدولة لها وما ادعوا بأنَّ العاقبة سوف تكون للنور
فدعوى.
وينبغي على قياس
قولهم أنْ لا يكون للنور فعل، لأنَّه أسيرٌ وليس له سلطانٌ فلا فعل له ولا تدبير،
وإنَّ له مع الظلمة تدبيرًا فما هو بأسير بل هو مطلقٌ عزيز، فإنْ لم يكن كذلك وكان
أسير الظلمة فإنَّه يظهر في هذا العالم إحسانٌ وخيرٌ مع فسادٍ وشر، فهذا يدلُّ على
أنَّ الظلمة تحسن الخير وتفعله كما تحسن الشرَّ وتفعله. فإنْ قالوا محالٌ ذلك فلا
نور يثبت ولا ظلمة، بطلتْ دعواهم ورجع الأمر إلى أنَّ الله واحدٌ وما سواه باطلٌ
فهذه مقالة ماني الزنديق وأصحابه.
وأمَّا من قال:
النور والظلمة بينهما حَكَمٌ فلا بدَّ أنْ يكون أكبر الثلاثة الحكم، لأنَّه لا
يحتاج إلى الحاكم إلا مغلوبٌ أو جاهلٌ أو مظلومٌ وهذه مقالة المدقونية والحكاية
عنهم تطول.
قال: فما قصة
ماني: قال: متفحِّصٌ أخذ بعض المجوسية فشابها ببعض النصرانية فأخطأ الملَّتين ولم
يُصِبْ مذهبًا واحدًا منهما وزعم أنَّ العالم دُبِّرَ من إلهين نورٍ وظلمةٍ وأنَّ
النور في حصار الظلمة على ما حكيناه عنه، فكذَّبته النصارى وقبلته المجوس...
الحديث.
قال بعض الزنادقة
أنَّنا نؤمن بوجود الله، لكنْ تساءلوا من أين أتى الشر، فقالوا بوجود هذه الطينة
المؤذية التي لم يتمكن أنْ يتخلَّص منها فخلق منها الشرور. في الواقع أصل تفكيرهم
صحيحٌ لأنَّهم أرادوا تنزيه الله تعالى لكنَّهم لم يصيبوا مرادهم.
السؤال: الله
سبحانه وتعالى خيرٌ فمن أين جاء الشر؟
الجواب: إنَّ الشر
أمرٌ عدميٌّ وليس أمرًا وجوديًا حتى نقول أنَّ الله تعالى خلقه، فالواقع أنَّ الله
تعالى خلق الخير فإذا عُدِمَ الخير حلَّ الشرُّ محلَّه، ولا يقال للأمر العدميِّ
أنَّه مخلوق. وقال الخواجة نصير الدين الطوسي أنَّ الدليل على ذلك الاستقراء،
ولكننا نقول أنَّ الدليل عليه عقليٌّ فهو يرجع إلى استحالة اجتماع وارتفاع
النقيضين.
بعد ذلك نجد أنَّ الإمام
(عليه السلام) افترض بعض الفرضيَّات ثم أبطلها فأثبت أنَّ الله هو القديم لا سواه.
وفي بيان قوله
(عليه السلام): "فمن أين جاء الموت والفنا؟"؛ أيْ أنَّ الموت
والفناء جاء من أيِّهما؟ الله أم الطينة؟
نقول: عدم الشيء
نرجع فيه لمقولة الإضافة، فالأفعال والمفعولات وكلُّ نسبةٍ ترجع لمقولة الإضافة،
وعندما نقول عدم الأمر الفلاني، فإننا نقولها بالإضافة لحالته السابقة من الوجود؛
أيْ بالنسبة لوجوده السابق، وليس معنى ذلك أنَّه فناءٌ مطلق، إذا كان الله تعالى
وحده. ولكنْ إذا افترضنا معه أمرًا آخر كالطينة، وهذه الطينة يلحقها الفناء
بالنسبة إلى وجودها السابق، لكنَّ الفرض هنا أنَّها قديمة، وبالتالي لا يمكن أنْ يُنسَبَ
الفناء للشيء لأنَّه لا بدَّ أنْ يُنسب إلى وجوده السابق، والفرض أنَّها أزليةٌ
فهي لا تفنى، وبالنتيجة فالخلق لا يفنى، وبالتالي لا يوجد فناءٌ فننسبه إلى من؟ وكان
جواب الإمام بالنقض على الزنديق، كما هو واضح.
أمَّا من قالوا أنَّ
كلَّ شرٍّ فهو من الظلمة (الأبدان) وكلَّ خيرٍ من النور (الأرواح)، وهؤلاء قِسمٌ
من الثنوية، وقد أبطل الإمام (عليه السلام) مقالتهم أيضًا بالافتراض ونقض
الفرضيات. وملخصُّ كلامهم أنَّ كلَّ شيءٍ قهريٌ ولا يمكن التخلُّص منه، لقولهم أنَّ
الأبدان يأتي منها الشر، والأرواح يأتي منها الخير، وبالتالي تأتي المترتبات التي
ذكرها الإمام (عليه السلام).
تعليقات
إرسال تعليق