رسائل القطيعةِ الإلكترونيَّة

رسائل القطيعةِ الإلكترونيَّة

من الأمور التي لفتتْ نظري منذ فترةٍ ليست بالقصيرة عبر مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي هي ظاهرةُ إرسال بعض الرسائل التي تتضمَّن دعواتٍ للقطيعة، سواء كان ذلك بشكلٍ مباشرٍ أم غير مباشر، وسواء كانت الرسالة تتعلَّق بنفس المرسل وهو الغالب أم بشكلً جماعيّ، ولهؤلاء مَن يساعدهم من شخصيات هذه المواقع التي صار لها بريقًا غالبًا ما يكون مزيَّفًا، يتابعه هؤلاء وغيرهم من المتابعين لهذه المواقع والتطبيقات.

رسائل تصلنا بشكلٍ يوميٍّ إما عبر حالة الواتس أب أو رسالةٍ في مجموعةٍ عامَّةٍ أو ضمن رسالة تحيَّة (صباح الخير)! أو تُنشر عبر نافذة المرسِل الخاصَّة عبر المواقع التي تتيح ذلك، أو غير ذلك، ولك أن تتخيَّلَ تكرار هذه الرسائل علينا مراتٍ ومراتٍ قراءةْ أو سماعًا، وكم من آثارٍ سلبيَّةٍ قد تترك فينا أشخاصًا ومجتمعات.

نعم يُسيء هؤلاء الأفراد لأنفسهم قبل الإساءة إلى غيرهم، فأدنى الملاحظات -دون الخوض في تحليل أنفسهم- هي أنهم يصرخونَ أحيانًا على قدر ألم فقدِهم لشخصٍ مَّا، فيتظاهرون -دون علمٍ ربَّما- بعدم الاكتراث لرحيل شخصٍ من حياتهم أو رحيل كلِّ قريبٍ وصديقٍ! وهل يُعقل ممَّن صارت بينه وبين شخصٍ علاقة أن يقطعها دون اكتراثٍ ودون أن يرفَّ له جفنٌ؟! لا أتصور ذلك إلا أن يكون هناك سببٌ، ولعل أبرز ما يُتصوَّرُ هو أن العلاقة كانت في أصلها شكلًا لا محتوى له.

كما قلت لستُ في صدد تحليل أنفس الأشخاص ولست متخصِّصًا في ذلك على أيِّ حال، لكنني أردت المساهمة في تنبيه هؤلاء من منطلق الخوف على تماسك مجتمعنا، الأمر الذي ركّز عليه ديننا الإسلامي العظيم، في القرآن الكريم وعلى لسان نبينا محمد (ص) وآل بيته الطاهرين (ع)، ومن تبعهم من الأصحاب والعلماء.

قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الأنفال/٤٦]، وإنني لأجد ما يبثه هؤلاء مدعاة للتنازع وتفكيك المجتمع، وهو دون شك طريق للفشل كجماعة مؤمنة، ينبغي لأفرادها أن يتقاربوا ويتعاونوا ويتواصوا بالحق وبالصبر (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة/٢].

عن رسولِ الله (ص): (المُؤمِنُ أخُو المُؤمِنِ)[الكافي].

وعنه (ص): (مثلُ المُؤمِنينَ في تَراحُمِهِم وتَوادِّهِم وتَعاطُفِهِم كَمَثَلِ الجَسَدِ ؛ إذَا اشتَكى عُضواً تَداعى لَهُ سائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمّى)[بحار الأنوار].

عبدالمؤمن الأنصاريّ قال: دَخَلتُ عَلى أبِي الحَسَنِ موسَى بنِ جَعفَرٍ عليه السّلام وعِندَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَبدِاللهِ الجَعفَرِيُّ، فَتَبَسَّمتُ إلَيهِ. فَقالَ عليه السّلام: أتُحِبُّهُ؟ فَقُلتُ: نَعَم، وما أحبَبتُهُ إلّا لَكُم. فَقالَ عليه السّلام: هُوَ أخوكَ، وَالمُؤمِنُ أخُ المُؤمِنِ لِأَبيهِ واُمِّهِ، مَلعونٌ مَلعونٌ مَنِ اتَّهَمَ أخاهُ، مَلعونٌ مَلعونٌ مَن غَشَّ أخاهُ، مَلعونٌ مَلعونٌ مَن لَم يَنصَح أخاهُ، مَلعونٌ مَلعونٌ مَنِ استَأثَرَ عَلى أخيهِ، مَلعونٌ مَلعونٌ مَنِ احتَجَبَ عَن أخيهِ، مَلعونٌ مَلعونٌ مَنِ اغتابَ أخاهُ[بحار الأنوار].

والأحاديث في هذا الباب كثيرةٌ، فحريٌّ بالمؤمنين والمؤمنات السعي إلى التقارب ولمِّ الشمل وتقوية الروابط الاجتماعية بينهم، لا السعي في الفرقة والتنافر والتشتُّت كما يفعل البعض ممن قادته الأنا والأهواء أو من تعرَّض لموقفٍ هنا أو هناك، عن علمٍ منه بما يسبِّب من ضررٍ على المجتمع أو دون علم..

استطرادًا أقول علينا الحذر ثمَّ الحذر من متابعة أغلب من جعل الوسائل الإلكترونية منبرًا له، يدسُّ من خلاله السموم والثقافات الفاسدة بعلمٍ منه أو جهل، وحذار من المساهمة في نشر سمومهم وأفكارهم الباطلة بحسن نيَّةٍ أو دونها، فمن يفعل ذلك من المؤمنين فهو غالبًا في غفلةٍ عن ذلك دون شكٍّ عندي، فلزم التنبُّه والتنبيه من متابعة من يقول: (نعم الله كذا وكذا، ولكن…)، (لكن) هذه شيطنةٌ وهي من الشيطان يسمعها الآلاف من أبطالٍ مزيفين والعياذ بالله، ويعاودون نشرها..!!

محمود سهلان
١٣ ذو الحجة ١٤٣٩هـ
٢٤ أغسطس ٢٠١٨م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون