ريحانةٌ.. وليست قهرمانة



قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصيته لابنه محمد بن الحنفية: "يا بُني إذا قَويت فاقو على طاعة الله، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله عز وجل، وإن استطعت أن لا تملكَ المرأة من أمرها ما جاوزَ نفسها فافعل فإنه أدومُ لجمالها وأرخى لبالها وأحسن لحالها، فإن المرأة رَيحانةٌ وليست بقَهرمانة فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها ليصفو عيشك". [من لا يحضره الفقيه/ ج٣].

"والرَّيحان: كل بقلٍ طيب الريح، واحدتُه ريحانة… وقيل: الريحان أطراف كل بقلة طيبة الريح إذا خرج عليها أوائل النّور". [لسان العرب: مادة روح]. وجَمعهُ رَياحين.

"القَهرمان: هو المُسيطر الحَفيظ على من تحت يديه... وفي الحديث: كتب إلى قهرمانِهِ، هو كالخازن والوكيل والحافظ لا تحت يده والقائم بأمور الرجل بلغة الفرس". [لسان العرب: مادة قهرم].

وقد ورد لفظ ريحانة للتعبير عن الزوجة وعن البنت في بعض الروايات، أي أنّ وصفها بهذا الوصف قد تكرّر في عدة روايات، وقد يساعدنا هذا على فهم المعنى من بعض ألفاظ الروايات كقوله -صلى الله عليه وآله- (يَشمّها)، كما أن تكرار استعمال هذا اللفظ يؤكد أنّ رسول الله وأهل البيت -صلوات الله عليهم- أرادوا تثبيت هذا الأمر في أذهان الناس حيثُ لم يكن وصفًا عابرًا في رواية واحدة مثلا.

أقتطع التالي من رواية في باب فضل البنات عن رسول الله (ص)، قال: "الأرض تَقلُها والسماء تظلُها، والله يرزقها وهي ريحانةٌ تشمها". [الكافي/ج٥]، والشم ذات المعنى اللغوي الذي ذكرناه.

وجاء في الزوجة أيضا عن رسول الله -صلى الله عليه وآله- وقد سُئِل: "عن الرجل يُقبّل امرأته وهو صائم؟ قال: هل هي إلا ريحانةٌ يشمها" [من لا يحضره الفقيه/ج٢].

الرواية محل الكلام تصف المرأة بأنها ريحانة وتنفي عنها أنْ تكون قهرمانة، فتكون لها صفات الرياحين ولا تكون لها صفات القهرمان، والرياحين تكون عادةً جميلة ذات رائحةٍ طيبة، وهي في ذات الوقت ضعيفة تُحرِّكها الرياح والأيدي بكل يُسرٍ وسهولة، أما القهرمان فهو الذي يدير الأمور في معناه العام، ولمّا كانت هذه أوصافها لزم على الرجل مداراتها في كل أحوالها ورعايتها لمكان اختلاف الصفات والمميزات بينه وبينها.

وجعلُ المرأة لا تملك من أمرِها ما جاوزها كما في صدر ما نقلناه متوافقٌ جدًا مع عدم كونها قهرمانة، وما ينتج عن ذلك هو ما تريده النساء لنفسها عادة وما يريد أن يراه الرجل فيها، حيث أن ذلك أدوم لجمالها وقد ورد أن عقلَ المرأة في جمالها، وهو أرخى لبالها وأحسن لحالها كذلك. وقد يقول قائلٌ ماذا عن تربية الأولاد، ألا يُعدُّ ذلك مجاوزةً لنفسها؟ فنقول أنّ الشارع المقدس جعل التربية واجبةً على الأب أولًا لا على الأم، مع حفظ دورها في التربية دونَ شك، وهو متوافقٌ مع الرواية حيث أنها عندما تكون في رخاء بال وحسن حال تكون أقدر على لعب دورها في هذا الجانب من خلال قوَّتها العاطفية ومن خلال تغذية الأبناء بالحنان، وإنما القضية في اتخاذ القرارات وهو في يد الرجل لما له من القوامة، وإن كان لها الحقُ في أنْ يشاورها ويحفظ مقامها وقيمتها.

حسب ما أفهم من هذه الرواية ينبغي للرجل أنْ يحافظ على المرأة في ريحانيَّتها بعيدا عن أن تكون قهرمانةً فيُحمِّلها فوق ما هو مطلوب منها، وكذلك ينبغي لها أن تحافظ على ذلك، إلا في حال الاضطرار الفعلي العائد لحاجاتٍ فعلية للمرأة أو المجتمع بدايةً من أُسرتها، أما عندما يكون الدافع هو رغبتها ورغبة غيرها فلا ينبغي التخلي عمّا أوضحناه لمجرَّد هذه الرغبة، لمكان المحافظة عليها وبالتالي على المجتمع وهو أمرٌ راجحٌ على الرغبة التي لم تبلغ أنْ تكونَ حاجةً حقيقية، فلذلك عِدّة جوانب سلبية تترتّب عليه دون شك، منها خُسران النتائج المذكورة في الرواية من رخاء بال وحسن حال، وغيرها من النتائج السلبية التي نجدها اليوم في مجتمعاتنا التي خالفت هذه الوصية بشكلٍ أو بآخر.

المسؤولية يتحمَّلها الرجل والمرأة معا، وليست المرأة هي من يقع عليها اللوم وحدها فيما وصلنا إليه في هذا الزمان، بل قد تكون مسؤولية الرجل أكبر في ذلك من جهة ممارسة أدواره التي خصَّه بها الشارع المقدس والمجتمع المؤمن، ولمَّا حصل التقصير من الرجل وخرجت المرأة عن دائرة ما يناسبها حدث ما حدث في زماننا هذا..

إنّ الأمر الذي نحتاج لفهمه جيدا هو أن الثقلين المقدسين يقودان المجتمع لما ينبغي له أن يكون عليه، وعليه ينبغي من أبناء المجتمع المؤمن السعيُ في تحقيق ما ينبغي لهم مهما كانت التحديات، فليس من المقبول ولا من الصحيح الرضوخ والتماشي مع كل حالٍ يحدث أو ظاهرةٍ تحدث في المجتمع دون أن نسعى للتغيير، أو نبقى مكتوفي الأيدي تجاه هذا أو ذاك، فهو من الكسل والخمول وقلّّة الهِمَّة المرفوضة في مثل هذه الأمور المهمة جدا.

محمود سهلان
٢٦ محرم الحرام ١٤٤٠هـ
٦ أكتوبر ٢٠١٨م
x

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون