الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال التاسع عشر
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال التاسع
عشر:
لا يزال الكلام في
الرواية السابقة:
قال هشام:
"فكانَ من سؤال الزِّنديق... وجود الأفاعيل دلَّت...".
بطبيعة الحال
عندما نطرح سؤالًا فلسنا في مقام الإشكال على الإمام (عليه السلام) والعياذ بالله،
ولكنَّ هذا الكلام مع من؟ مع من لا يؤمن بالإمام (عليه السلام)، واليوم عندنا
نظرياتٌ أنَّ هذا القياس يُناقش فيه. فقالوا بأنَّ هذا الوجود أوجد نفسه بهذا
الشكل، والشواهد كثيرةٌ كاصطدام كوكبان أو نجمان فيصير عندنا كواكب ونجوم، وهكذا،
ولو تسلسلنا فيها لرجعنا إلى بداية الخلق وهو الانفجار العظيم، هذه المقدمة
الأولى.
أمَّا المقدمة
الثانية: لا وجود لشيءٍ اسمه منتظمٌ أو فوضوي، والحقيقة أنَّنا نَأَلفُ ما نراه، فهذا
ما اعتدنا عليه، فهذا التمثيل بأنَّك ترى بناءً مشيَّدًا فيدلُّك على وجود بان، لا
يتم، بل حتَّى البناء يختلف من بلدٍ لآخر، ففي الواقع هذا ما أَلِفته فقلتَ أنَّه
منظَّم، والجواب له مقامان:
الأول: تأتي لأحدهم
فتقول انظر لهذه الساعة جاءتْ هكذا لوحدها، فلا يصدِّق ويقول لا بدَّ من وجودِ
صانعٍ لها.
الثاني: ما لم
يؤمن بالأول وقال انتظمتْ الأمور بنفسها ومثالك بالساعة خطأ، فنحن نتحدث عن الأمور
الطبيعية لا عن هذه المصنوعات، نقول له هذا البناء شيِّد على وُفق قانون، فلا توضَع
حجرةٌ على حجرةٍ إلا وُفق قانونٍ حاكم، وكلامنا في القانون وليس في الحَجرة
والبناء، كلامنا في ما وَقَع فيه الشيء، ولذلك قال (الأفاعيل)، وأراد بها القوانين
بحسب تعبيرنا.
"قال: فما
هو؟ قال: شيءٌ بخلاف الأشياء...". السؤال عن الماهيَّة،
فبماذا أجاب الإمام (عليه السلام)؟
أيُّ شيءٍ غير
الله تعالى نحن لا نشخِّص ماهيَّته واقعًا عندما نُعرِّفُه، فالحدود والرسوم لا
تحكي الحقيقة الخارجية وإنما تحدُّ الفهم بما يصوِّر لها المعنى، ولا نقول أنَّنا
عندما نقول هذا تعريفٌ لله يعني أنَّنا نقول أنَّ هذه هي الماهية، لا في الله
تعالى ولا في غيره، فمعنى الحدِّ التَّام هو أنَّنا نميِّزه عن غيره لا أكثر، فلا
ينبغي أنْ نُداخل بين مقام الفهم والتفهيم ومقام الواقع الخارجي، فعندما نقول (الإنسان
حيوانٌ ناطقٌ) فنحن ميَّزناه بعنوانين، ميَّزناه بالجنس والفصل القريبين، وهذا له
واقعٌ في الخارج لكن ليس بهذا الشكل الذي في الذهن. الإمام (عليه السلام) قال:
(شيء)، والمخلوقات شيء، ولكن قال: (بخلاف الأشياء) وهذا هو الفصل، فشيءٌ يعني
وجود، ولكنَّ وجوده وجودٌ آخر، مباينٌ للوجودات، فنفى عنه أيَّ جهة اشتراكٍ مع
الأشياء، فلا ينفي أحدٌ عنه الوجود.
قال: "ارجع
بقولي لإثبات معنى"، فلا تأخذ كلامي وتجري به، ما أريده هو أنْ أُثبِت
معنًى في الذهن، فخطابي معك خطابٌ عقليٌّ ذهنيٌّ مفهومي، فلا تعجل، فما أريده هو
إفهامك، وكيف أُفهمك؟ فيقول: "وأنه شيء بحقيقة الشيئية" أيْ وجودٌ
بل حقيقة الوجود، لأنَّ كلَّ وجودٍ هو من ذلك الوجود، وعندما نسأل عن الشيء نعرِّفه
بما نتمكَّن أنْ نُشخِّصَه من خلاله، والإمام يُقرِّه لكنْ عندما نتحدَّث عن الله
تعالى فهذه الأشياء التي نعلمها بالحواسِّ الخمس نُجرِّده عنها، فإنَّك عندما تلمس
أو تسمع أو تتذوَّق أو تنظر أو تشمُّ فأنت في الواقع تُمايز بين الأشياء، فلا تعدم
كلَّ هذه المحسوسات واستعمالك الحاسَّة المناسبة تميِّز الأشياء عن غيرها، وعندما
نتجاوز هذا الوجود ونتحدَّث عن الله سبحانه وتعالى فهو مميَّزٌ عن كلِّ هذا
الوجود، وبالتالي لا نحتاج لما يميِّزه عن غيره، فهذه الأجسام وغيرها في هذه
النشأة ليست إلا للممايزة بين الأشياء بالنسبة لنا، فإنَّنا نحتاج إليها عند وجود
أكثر من واحد، ولكن عندما يكون لدينا شيءٌ واحدٌ فلا حاجة إلى هذه الأمور للممايزة
فلا يوجد ما نقارنه به، فأصل الكلام عن الجسميَّة والصوت وغيرهما باطل، فقال:
"غير أنَّه لا جسم...".
قال: "لا
تدركه الأوهام... الأزمان"، فإنَّ الوهم يأتي من
الصور المُدرَكة بالحواس، وهو خلاف كلِّ هذه الصور، ولا تنقصه الدهور ولا تغيِّره
الأزمان لأنَّه خلاف هذه الأشياء وخارج هذه الأزمان، وبالتالي يتحقَّق الغِنى
المطلق.
تعليقات
إرسال تعليق