الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثامن عشر

 


تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الثامن عشر:

 

]٢٧[ الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العبَّاس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث الزنديق، وكان من قولِ أبي عبد الله (عليه السلام): ولا يخلو قولُك إنَّهما اثنان، من أنْ يكونا قويَّين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدُهما قويًّا والآخر ضعيفا، فإنْ كانا قويَّين، فلِم لا يدفع كلُّ واحدٌ منهما صاحبه ويتفرَّد بالتدبير؟ وإنْ زعمت أنَّ أحدَهما قويٌّ والآخر ضعيف، ثبتَ أنَّه واحدٌ كما نقول للعجز الظاهر في الثاني، فإنْ قلت: إنَّهما اثنان، فلا يخلو من أنْ يكونا متَّفقين من كلِّ جهةٍ أو متفرِّقين من كلِّ جهةٍ فلمَّا رأينا الخلق منتظمًا والفلك جاريًا والتدبير واحدا، والليل والنهار والشمس والقمر، دلَّ صحَّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنَّ المدبِّر واحد. ثمَّ يلزَمُك إنْ ادَّعيتَ اثنين، فُرجةً ما بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفُرجة ثالثًا بينهما قديمًا معهما فيلزَمُك ثلاثةٌ، فإنَّ ادَّعيتَ ثلاثةً لزمك ما قُلتَ في الاثنين حتى يكون بينهما فُرجةٌ فيكونوا خمسةً، ثمَّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة. قال هشام: فكان من سؤال الزِّنديق أنْ قال: فما الدليل عليه؟ فقال أبو عبد الله (عليه السلام): وجود الأفاعيل دلَّت على أنَّ صانعًا خلقها، ألا ترى أنَّك إذا نظرتَ إلى بناءٍ مشيَّدٍ مبنيٍّ عَلمتَ أنَّ له بانيًا وإنْ كُنتَ لم ترَ الباني ولم تشاهده، قال: فما هو؟ قال: شيءٌ بخلاف الأشياء ارجع بقولي إلى إثبات معنًى وأنَّه شيءٌ بحقيقة الشيئيَّة غير أنَّه لا جسمٌ ولا صورةٌ ولا يُحسُّ ولا يُجسُّ ولا تدركه الحواس الخمس، لا تدركه الأوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغيِّره الأزمان.

أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج، عن هشام بن الحكم، نحوه إلى قوله: على أنَّ المدبِّر واحد.

 

والكلام في الرواية يقعُ في نقطتين:

 

الأولى: الزنادقة يُنكرون الوحدانيَّة ويقولون ببقاء الدهر فيُنكرون الآخرة، ومنهم فِرقةٌ يُسمَّون بالثنويَّة يقولون بإلهين: إله النور وإله الظلام، وقولهم ذلك باطل؛ وذلك لملازمة الاثنينيَّة الفُرجة بين الأول والثاني، والفُرجة وجود، وبإثباتها يتعدَّد القديم وبنفيها ينتفي وجود إلهين، حيث لا وجود لاثنين إلا بفُرجةٍ وإلا فهو واحد.

 

الثانية: ليس المُراد بالفساد في الآية (لو كانَ فِيهِمَا آلهةٌ إلا الله لفَسَدَتا) انتفاء التناسقِ والترتيب في الخَلق بل الفساد يعني الانعدام، وهذا لِمَا تقدَّم من الحديث في الفُرجة.

 

استطراد: أمَّا برهان النَّظم وما يقال من أنَّه الانتظام والترتيب بين هذه الموجودات فليس صحيحًا في الاستدلال على وجود الإله، وليس المراد ببرهان النَّظم هذا، بل المُراد هو القوانين التي انتظمتْ فيها هذه الموجودات، فلا يصحُّ أنْ يُقال أنَّ تعاقب الليل والنهار وكون الأول للسَّكن والثاني للمعاش، هما بهذا الترتيب وغيرهما كالأفلاك، يدلان على وجود الله، فهذا الترتيب الموصوف به وُصف به لكونه ما اعتيد عليه فلو كان المُعتاد هو العكس سيكون هو المرتَّب وغيره يعني الفوضى فلا يصلح للاستدلال، هذا بغضِّ النظر عن قوله تعالى أنَّ الليل لباسٌ والنهار معاش، بل الصواب أنَّ سَير هذه الموجودات ضمن نظامٍ معيَّن، قانونٍ معين، هو ما يدلُّ على الله سبحانه وتعالى، وهو النَّظم، فكون الكواكب تُوجد بانفجارٍ نتيجة تصادم النجوم وكون هذا الخلق أجمع بسبب الانفجار الأعظم، لا ينفي وجود الله بل على العكس تمامًا فهو يُثبته حيث إنَّه يمشي ضمن القانون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون