الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الرابع والخمسون


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الرابع والخمسون:

 

بيان المفاهيم التشكيكية:

الأسماء موضوعة، ولفظ النور -مثلًا- وُضِع لهذا المظهر وما اشتد منه، الذي يصح أن نسميه نورا، من هنا تتضح أهمية دراسة المبادئ التصورية والتصديقية، فارتفاع شيئين -مثلًا- عن سطح الأرض نسميه طولًا وإن تفاوت طولهما، وما قلنا بالطول والقِصَر إلا بعد المقارنة بينهما، والطويل نفسه يتضمن القِصر، ولذلك يصح أن تقول (طوله كذا أو قصره كذا)، والمفاهيم التشكيكية كلها بهذه الشاكلة، فهي بين ضعف الضد واشتداد ما يقابله، وعندما وضعنا الألفاظ للأشياء في أدنى مستوى لها، فلا يصح أن نقول للشيء أنه أبيض وفي نفس الوقت هو أسود، لأن اللفظ وُضِع لهذا اللون، ولكن على نحو الحقيقة هذا الأبيض يتضمن ضده بدرجةٍ ضعيفة.

 

تنبيه:

من المشاكل التي نواجهها عند دراسة العلوم أننا لا ندرس مبادئها، ومنها ما ندرسه في المنطق في درس المفاهيم، وأنها مشكِّكة ومتواطئة، ولكن الاكتفاء بالتعريف لا يكفي، ونحتاج للتعرَّف على نشوء هذه المسألة والتفريق بين المفاهيم، حتى أفهم الأمر جيدا.

 

أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب ١٤ - أن الله سبحانه ليس بمركَّبٍ ولا له جزء:

 

]٨٩[ الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الفُقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: والجهة الثانية التشبيه، إذ كان التشبيه صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن بدٌّ من إثبات الصانع، لوجود المصنوعين والاضطرار إليهم أنهم مصنوعون، وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم، إذ كان مثلهم شبيهًا بهم في ظاهر التركيب والتأليف.

 

الجهة الثانية في الاستدلال على أن الله تعالى يقابل المُركَّب، فهو بسيط، لكن هل هو وجودٌ بسيط؟

نقول أن الله تعالى في قبال المُركَّب بسيط، لكن حقيقته غير معلومةٍ لنا، وقولنا بسيطٌ هنا هو في مقام الاستدلال الأول، فنقول هو ليس بمركب، ولكن لا نستطيع بعد ذلك أن نُثبتَ له البساطة أو ننفيها عنه، فلو قلنا بالبساطة بمعناها الفلسفي لاشتبه الأمر مع الجوهر، والحاصل أننا عندما نقول بسيطٌ فنحن نريد نفي التركيب عنه لا إثبات البساطة له، لأنها تحتاج إلى دليلٍ نصِّيٍّ صريحٍ وواضحٍ نتعبَّد به.

في الواقع هناك أمورٌ خطيرةٌ من الأفضل أن نتوقَّف فيها، فلا نثبتها ولا ننفيها، منها مسألتنا هذه، فنثبت لله تعالى فيها ما أثبته لنفسه، وننفي عنه ما نفاه عن نفسه، ولا يصح التبرع في الإثبات بجهدٍ عقليٍّ منا.

أمَّا التشبيه، فلماذا ننفيه؟ لأنك بمجرد أن تشبه فذلك يعني أنك وقفت على المائز ولو بالجملة، والذي يحقق المائز هو الفصل أو العوارض العامة والخاصة، ومعها لا بدَّ أن تقول أن جُزأه الثاني جنس، وبجمعهما -أي الجنس مع واحد منها- معًا صار مركَّبا، فالتمايز يكون هكذا، وبإثبات التمايز بهذه الكيفية يثبت التركيب، وهو قوام التشبيه.

قال (عليه السلام): "فلم يكن ... التركيب والتأليف"، لأنه ما دام قد أثبت المصنوع، فلا بدَّ له من صانع، وإن شبَّهت وقعتَ في المحذور السابق، فلا بدَّ أن يكون غير المصنوعين أولا، ولا يشبههم ثانيا، فأثبتنا الغيرية ونفينا الشبه.

 

]٩٠[ الرواية الثانية: وعن محمَّد بن أبي عبد الله، رفعه إلى أبي هاشمٍ الجعفري، عن أبي جعفرٍ الثاني (عليه السلام) في حديث، قال: والسماء والصفات مخلوقات، والمعاني والمعني بها هو الله الذي لا يليق به الاختلاف ولا الائتلاف، إنما يختلف ويأتلف المتجزِّئ، فلا يقال: الله مؤتلفٌ ولا الله قليلٌ ولا كثير، ولكنه القديم في ذاته، لأن ما سوى الواحد متجزِّئ، والله واحدٌ لا متجزِّئ ولا متوهَّم بالقلة والكثرة، وكل متجزئ أو متوهمٍ بالقلة والكثرة فهو مخلوقٌ دالٌّ على خالقه.

 

بين الائتلاف والاختلاف مقابلة، وكلاهما منفيَّان في الرواية عنه تعالى، لكننا لا نعرف الفرد الثالث.

هل الكلام في الأسماء والصفات هنا عن أسماء وصفات الله أم غيره؟

يأتي عليها الكلام في الدرس التالي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون