الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الحادي والخمسون


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الحادي والخمسون:

 

]63[ الرواية الثانية والعشرون: وعن هشام بن الحكم، قال: سأل الزِّنديقُ أبا عبد الله (عليه السلام)، فقال: من أيِّ شيءٍ خلق الله الأشياء؟ فقال: لا من شيء، فقال: كيف يجيء من لا شيء شيء؟ فقال: إنَّ الأشياء لا تخلو أنْ تكون خُلِقت من شيءٍ أو من غير شيء، فإنْ كان خُلِقت من شيءٍ كان معه، فإنَّ ذلك الشيء قديم، والقديم لا يكون حدثًا ولا يفنى ولا يتغيَّر، ولا يخلو ذلك الشيء من أنْ يكونَ جوهرًا واحدًا ولونًا واحدا، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروبٍ شتى؟ ومن أين جاء الموت إنْ كان الشيء الذي أُنشِئت منه الأشياء حيا؟ ومن أين جاءت الحياة إنْ كان ذلك الشيء ميتا؟ ولا يجوز أنْ يكونَ من حيٍّ وميتٍ قديمين لم يزالا، لأن الحي لا يجيء منه ميتٌ وهو لم يزلْ حيا، ولا يجوز أيضًا أنْ يكون الميت قديمًا فيما لم يزل بما نسبوا من الموت لأن الميت لا قدرة له فلا بقاء.

قال: فمن أين قالوا: إنَّ الأشياء أزلية؟ قال: هذه مقالة قومٍ جحدوا مدبِّر الأشياء فكذَّبوا الرُّسل ومقالتهم، والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسمَّوا كتبهم أساطير الأولين، ووضعوا لأنفسهم دينًا برأيهم واستحسانهم، أنَّ ]إن[ الأشياء تدل على حدوثها من دوران الفلك بما فيه، وهي سبعة أفلاكٍ وتحرك الأرض عليها، وانقلاب الأزمنة، واختلاف الوقت، والحوادث التي تحدث في العالم من زيادةٍ ونقصانٍ وموتٍ وبلاءٍ واضطرار النفس إلى الإقرار بأنَّ لها صانعًا ومدبِّرا، أما ترى الحلو يصير حامضًا والعذب مرًّا والجديد باليا، وكلٌّ إلى تغيُّرٍ وفناء.

 

في هذه الرواية نلاحظ أن الإمام (عليه السلام) استعمل القسمة الثنائية في الجواب، فلا يكون ممَّا يُشكل عليه في المنطق، لأنه موجودٌ عند الأئمة (عليهم السلام).

 

يرجع سؤال الزنديق عن أصل الخلق إلى مبنًى عرفي، وهو ضرورة رجوع الشيء إلى شيءٍ ولا بدَّ من وجود أصلٍ مُسانِخٍ للذي يخرج من هذا الأصل.

إذا كنت خَلقتَ من شيءٍ فهذا الشيء يكون قديما، فالمعلول موجودٌ في العلة ويحصل ما يقتضي خروجه من العلة، فإن الخلق إن كان من شيءٍ كان موجودًا في العلة، وصار ذلك الشيء قديما.

الجواهر في المقولات معروضة، والأعراض عارضة، والفارق فقط أن الجوهر لا في موضوع، والأعراض لا تظهر إلا في موضوع، فهي تحتاج لما تظهر فيه، وإلا فالأعراض أيضًا لها حقائق.

عندنا موتٌ وعندنا حياة، فذاك الشيء إن كان ميتًا قلنا من أين جاءت الحياة، وإن كان حيًّا قلنا من أين جاء الموت.

التعاقب في الخلق الذي نراه كله راجعٌ لأصلٍ واحد، وإن كان ظهوره لنا مختلفًا في هذه النشأة، وليس هذا إلا لمناسبته لحال المُدرِك، فنجد الإمام ذكر عِدَّة أمورٍ كالموت والحياة والألوان وغيرها، وأرجعها كلها لذاك الأصل في مستوًى واحد، وهذا يُرجِعنا للنظر في مسألة الزمن، والذي هو من شأنيات هذه الحياة، وإن كان الله تعالى لم ينفِ الزمن مطلقا، لكن جاء في الآيات كألف سنةٍ ممَّا تعدون، وكخمسين سنةٍ ممَّا تعدون، ولو قمنا بحسابها يكون اليوم الذي نعده لا يساوي شيئًا هناك.

 

تنبيه:

لكي نفهم الأمور نقوم بتحليلها، لذلك عندما تأتي بعض المسائل في أيِّ علمٍ كالكلام والفلسفة والأصول، يقومون بمحاولة تحليل عملية صدور الخطاب من الله تعالى، لكن هل يعني هذا أن هذه المراحل التي تُذكَر هي هكذا عند الله سبحانه وتعالى؟ بالتأكيد هي لها واقعٌ لكن لا بهذا النحو التحليلي الذي نقوم به، وتحليلنا كذلك ليس باطلٌ بل هو صحيح، وما ذلك إلا لأننا نحاول فهم الحالة. مع ذلك يأتي من يهاجم هذه العلوم، ويستوحش من هذه التحليلات الواقعية، البعيدة عن نسبة النقص إلى الله تعالى.

عندما نصل للمعنى عن طريق التحليل ثم نرتفع به لمقام الربوبية فإننا نستحضر المعنى ونطرد التحليل في ذاك المقام، فهذا المعنى الناتج عن التحليل يَسْكن النفس ويحقِّق العقيدة والقناعة.

نذكر هذا الكلام لوجود هجماتٍ غير مبرَّرةٍ على العلوم، ولا نحسبه إلا من فعل الشيطان.

ولو قيل أننا نكتفي بما جاء في الروايات، قلنا وكيف نفهم الروايات؟

ولو ادُّعي أن الأئمة تحدَّثوا في كل شيء، قلنا أنها دعوى باطلة، فالروايات اشتملت على كل شيء، لا أنها تحدَّثت في كل شيء، وكذا القرآن الكريم.

أمَّا بالنسبة للمصطلحات التي جاءت متأخِّرةً ينبغي الالتفات إلى أنها جاءت لتنظيم المسائل فقط، فلا يُقال لم يذكر أهل البيت (عليهم السلام) هذا اللفظ، لأن المراد ليس نفس اللفظ بل معناه، والأعمُّ الأغلب من هذه المصطلحات له واقعٌ في كلماتهم (عليهم السلام) وفي كلام المتقدمين من العلماء (رضوان الله عليهم).

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون