الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الخمسون


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الخمسون:

 

]٦١[ الرواية العشرون: وروى الطبرسي في كتاب الاحتجاج، قال: سُئِل أبو الحسن العسكري (عليه السلام) عن التوحيد؟ فقال: لم يزلِ الله وحدَهُ لا شيء معه ثم خَلَقَ الأشياء، الحديث.

 

أجاب الإمام بما لازمه الإقرار بقول (لا إله إلا الله)، وهي مرحلةٌ سابقةٌ على الإقرار، والإقرار يأتي متأخرًا عن مرحلة الجواب.

أما التوحيد فهو أصل الوجود أو فقل مبدأ الوجود، وهذا المورد ممَّا نعاني فيه مع الألفاظ وضيق العبارة، وبسبب وفاء اللفظ أو عدم وفائه بالمعنى المراد تنشأ الكثير من المناقشات.

حقيقة التوحيد أن أعرف أنه كان ولا شيء معه، وهذا التوحيد له لوازم ومترتباتٌ بعد المعرفة.

ثم الذي خلقه يحتمل أن يكون دونه من كل الجهات، أو أن يكون دونه من بعض الجهات، وبعضها يكون أقوى من الخالق، كما لو خلق إنسانٌ نارًا فحرقته، لأنها أقوى من مقاومته لها، لذلك نحتاج بعد إثبات التوحيد بالأزل إلى إثبات الديمومة والسرمدية، فإذا أثبتناها صار لا شيء ممَّا خلقه إلا وهو دونه.

الشيء الوحيد الذي لا يمكن أن يُنكر على الإطلاق هو الأزل، وهو الحق الحقيق الذي لا يمكن أن يشكَّ فيه.

 

]٦٢[ الرواية الحادية والعشرون: وبإسناده إلى أبي محمدٍ العسكري (عليه السلام)، قال: احتجَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الدهرية، فقال: ما الذي دعاكم إلى القول بأن الأشياء لا بدء لها وهي دائمةٌ لم تزلْ ولا تزال؟ فقالوا: لأنا لا نحكم إلا بما شاهدناه، ولم نجد للأشياء حدَثًا فحكمنا بأنها لم تزلْ ولا تزال، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): أفوجدتم لها قِدمًا ووجدتم لها بقاء؟ قالوا: لا، قال: فلم صرتم بأن تحكموا بالبقاء والقِدم أولى ممَّن يحكم لها بالحدوث والانقطاع لأنه لم يجد لها قِدمًا ولا بقاءً أبدا؟ ثم احتجَّ عليهم بتعاقب الليل والنهار وعدم كلٍّ منهما وحدوث الآخر، إلى أن قال: فهذا الذي نشاهده من الأشياء، بعضها إلى بعضٍ يفتقر كما نرى البناء محتاجًا بعض أجزائه إلى بعضٍ وكذلك سائر ما يرى، فإذا كان هذا المحتاج هو القديم فأخبروني أن لو كان محدثًا كيف كان يكون؟ وكيف تكون صفته؟ فبُهِتوا وعَلِموا أنهم لا يجدون للمُحدَث صفةً يصفونه بها إلا وهي موجودةٌ في هذا الذي زعموا أنه قديم، فوجموا وقالوا سننظر في أمرنا، الحديث.

 

الدهرية: هم من قالوا لا يُوجِد ولا يُفنِي إلا الدهر، وهي فئةٌ موجودةٌ قبل الإسلام.

فائدة كتاب الاحتجاج -بالإضافة للاطِّلاع على احتجاجات المعصومين (صلوات الله عليهم)- هي اكتساب طريقة التفكير، ومنها مثلًا التعرُّف على الموارد الصحيحة لاستعمال الجواب النقضي، لا أن نستعمله في كل مسألةٍ تطرأ علينا وكل إشكالٍ يطرح قِبلنا.

جوابهم: (لا نحكم إلا بما شاهدناه)، هو ما أوقعهم في قبضة النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث انطلق منه لمحاججتهم، فطرح عليهم سؤالًا مبنيًّا على جوابهم، وتساءل عن ترجيح حُكمٍ على الآخر.

جواب النبي (صلى الله عليه وآله) واحتجاجه بتعاقب الليل والنهار مع بساطته إلا أنه أسكت الدهرية، بل وفيه عُمقٌ صالحٌ لإسكات أكبر الفلاسفة، فهو أجاب الدهرية بما يناسبهم لكن عمقَ الجواب صالحٌ لكل زمانٍ ولكل المستويات الفكرية.

الحدوث متمثلٌ في الانتقال من نقطةٍ إلى أخرى زمانا، لأنه حدوث، والليل والنهار ظاهرتان وما وراءهما هي الحركة التي تثبت الحدوث.

بهتوا وعَلِموا بما عَلِموا لكنهم يبقون على ضلالتهم، ولا ينظرون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون