الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثاني والأربعون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الثاني والأربعون:
نعتقد أن هناك نوعٌ
من التساهل في الإرجاع إلى العمومات، مع كون الإرجاع إلى العموم من أخطر المسائل
وأعقدها، حتى أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تحدث فيه في روايته المشهورة، حيث
ينبغي أن تكون عارفا به، فالوقوف على حدود العام ليس أمرًا بسيطا، لذلك فالصحيح
الإرجاع إلى العموم وفق الضوابط الصحيحة التي قررها أهل البيت (عليهم السلام)
والتي قررها العلماء في محله. نعم يقرر الإمام بعض العمومات لكنه لا يمكن أن يعطي
ويبيِّن كل العمومات، لذلك جَعَلَ الضوابط التي تمكننا من معرفة العام وحدوده،
وإلا فالكثير من أعمالنا التي نقوم بها اليوم لن نجد عليها دليلا، وإن قيل الأصل
الإباحة، قلنا هناك من قال بأن الأصل الحظر، وهناك نقاشٌ بينهم في ذلك. والخلاصة
أن استسهال هذه المصطلحات أمرٌ غير جيدٍ على الإطلاق.
س: ما هو المراد
من الرواية المشهورة عن الصادق (عليه السلام): "إنَّما علينا أنْ نُلقي
إليكم الأصول، وعليكم أنْ تفرِّعوا"؟
هناك فرقٌ بين هذه
الرواية وأصول الفقه في المعنى، فالأصول التي يلقيها أهل البيت (عليهم السلام)
فيها مجالٌ للتفريع، أما أصول الفقه فليست لها نفس القابلية، فالأصول في أصول
الفقه تطلب منها الاستنباط واكتشاف الحكم الواقعي، وطبيعتها تحصيل الكيفية التي
نشأ عليها الحُكم، أي كيف حصل الجعل للحكم، وبالتالي إذا قال الإمام أننا نلقي
عليكم الأصول، فتكون وظيفتك البحث عنها، وهذا هو درس الفصول.
قال الشيخ الصدوق
في مقدَّمة من لا يحضره الفقيه: "بل قصدت إيراد ما أفتي به، وأحكم بصحته،
وأعتقد أنه حجةٌ بيني وبين ربِّي جلَّ ذكره، وجميع ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهورةٍ
عليها المعول وإليها المرجع، مثل كتاب حريز".
قالوا أن الشيخ
الصدوق يروي عن الضعاف، مع أنه قال أن ما في الكتاب مستخرجٌ من كتبٍ معتبرةٍ عليها
المعول وإليها المرجع، فهو حينها لا يقوي ويصحح كتابه فقط، بل يصحح ويقوي تلك
المصادر كذلك، فهناك دعاوى متعددة مِنه، ولكن عندما نرجع للكتاب نجد فيه الكثير من
الروايات عن الضعفاء.
والجواب عليه
نقضا: الرسائل العملية اليوم فيها ما يفتي به الفقيه ويراه حجةً بينه وبين ربه،
ولو أخذنا هذه الفتاوى وجئنا بالروايات التي استند إليها دون ذكر الاستدلال، سنجد
أن الكثير منها عن الضعاف، والنتيجة أنها تكون أشبه بكتاب مَن لا يحضره الفقيه،
فالزائد فقط في كتب الاستدلال هو معالجة هذه الروايات من حيث الضعف أو الإرسال أو
الإعراض عنها أو غير ذلك. ولو جئنا بالكتب القديمة ككتاب الفقيه وأضفنا له
الاستدلال سيكون حاله كحال كتاب مباني المنهاج على سبيل المثال، وفي الواقع لو
أعرضنا عن الروايات الضعيفة لما كانت عندنا رسالةٌ عملية، فهي كثيرةٌ جدا.
قال: "وأحكم بصحته"،
والكتاب كتاب فتوى، فالصحة هنا في مقام الإفتاء، فإذا جاء بروايةٍ وأتبعها بأخرى
في نفس الموضوع، فإنه عادةً يكون عَنون الباب بالحكم، فلو حذفنا هذه الروايات تحول
الكتاب لرسالةٍ عملية، وقد استخرج هذه الأحكام بإعمالاتٍ معينة، وبالرجوع إلى
الظواهر وما إلى ذلك.
قال: "وجميع
ما فيه مستخرجٌ من كتبٍ مشهورةٍ عليها المعول وإليها المرجع". نأتي اليوم
ونرجع للأصول الحديثية، ونشك في بعضها، وقيل في بعضها أنها مدخولة، ولكن متى صار
هذا الدخل فيها؟ لا يمكن التعيين، فنسأل: ما هو حجم التزييف؟ لا نعلم متى وكيف،
فلا نستطيع تحديد حجم التزييف، ولكن عندنا أمرٌ آخر نلاحظه، وهو تناول الكتب
والكيفية التي يتم بها، فعلى فرض دخول يد التحريف والتزييف فيها فأين يكون؟ يحتمل
أن يكون عند النسَّاخ، أو أن يَسرق أحدٌ الكتاب ويضع فيه ويحرفه، ولازمه أن يكون
من بعد القراءة والمناولة، فيفترض أن الكتاب يسلم بعد أن يقرأه المُجاز علي،
وبعدها أُجيزه، فيتضح أن نسبة التزييف إن كانت فهي نادرةٌ جدا. أما كلامهم عن وجود
التزييف فهو راجعٌ لكلام العلماء لا لحقائق وأدلةٍ قائمة، وبالتالي كما قال العلماء
أن كلامه في الجملة صحيحٌ أي في الغالب، فما يقال أنه محرَّف أو مدخول هو الذي
يحتاج إلى دليل.
أمَّا روايته
الروايات المتعارضة، فهو لوجود التعارض في روايات أهل البيت (عليه السلام)، لا
لضعفٍ ولكن لطبيعة الوضع الذي عاشه أهل البيت (عليهم السلام) وأصحابهم، واضطرارهم
للتقية، والتفريق بين أصحابهم حمايةً لهم، والأحوال التي ذُكِرت عنهم كافيةٌ في
بيان الحال، حتى أراد الأئمة للأصحاب أن الناس إذا سمعوا أصحابهم يتحدثون اتهموا
قادتهم بعدم الفهم، ومن الطبيعي جدًّا أن تأتي الروايات وُفق هذه الرواية.
إذن، كيف نحفظ
الدين؟ هنا احتمالان:
الأول: أن لا يُناقض
الإمام بين حديثٍ وآخر إلا كانا معًا في شرع الله ويجوز العمل بهما، فثبَّت بعض
العلماء على إثر هذا التخيير مطلقا.
الثاني: الاعتماد
على الفقهاء لتخليص المؤمنين من خلال الرجوع للقواعد والأصول، وإن لم يرجعوا لهم
مع كونهم معذورين، فعملهم حينها صحيح.
تنبيه:
الروايات المُعرَض
عنها، وإن قالها الإمام، فهو قالها وأراد أن نُعرِض عنها في زمن الإفتاء.
تعليقات
إرسال تعليق