الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال التاسع والأربعون


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال التاسع والأربعون:

 

أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب ١٢ - أن كل ما سوى الله سبحانه فهو مخلوق حادث مسبوق بالعدم:

[٥٩] الرواية الثامنة عشر: عن الدقَّاق، عن محمَّد بن يعقوب، رفعه، قال: سأل ابن أبي العوجاء أبا عبد الله (عليه السلام)، فقال: ما الدليل على حَدَثِ الأجسام؟ فقال: إني ما وجدت شيئًا صغيرًا ولا كبيرا، إلا إذا ضُمَّ إليه غيره صار أكبر وفي ذلك زوالٌ وانتقالٌ عن الحالة الأولى، ولو كان قديمًا ما زال ولا حال، لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يُوجدَ ويَبطلَ، فيكونَ بوجوده بعد عدمه دخولٌ في الحدث، وفي كونه في الأزل دخولٌ في القِدم، ولن يجتمع صفة الأزل والحدث في شيءٍ واحد.


قال (عليه السلام): "إني ما وجدت شيئًا ... أكبر"، وهذا استدلالٌ حِسِّي، انتقل بعده فقال: "وفي ذلك زوال ... الأولى"، وهو الحدوث.

قال (عليه السلام): "ولو كان قديما ما زال ... ويبطل"، ومسألة الحجم منتزعة، فلا يكون صغيرٌ ولا كبيرٌ إلا بالنسبة، فعندما نأتي بشيئين متجسِّمين يمكن أن ننتزع منهما الكِبر والصِغر بعد مقارنتهما بالنظر للحجم، وبالتالي التحول من حالةٍ إلى أخرى، ولو كانت الأجسام أحجامها واحدة لما انتزعنا مفهومي الكِبر والصِغر، وهذه الانتزاعات من الأمور التي حيَّرت البشر، ولا زالت تُبحث، فهل هي حقائقٌ أم انتزاعاتٌ أم ماذا؟..

الإمام (عليه السلام) في هذه الرواية يريد أن يثبت أن لهذه الأجسام أكثر من مَظهر، ويمكن إثبات هذه الدعوى بالرجوع للأصل، فهذا الجسم أصله ذرَّة، وضُمَّت ذرةٌ إلى أخرى وهكذا حتى صار بهذا الحجم، وقد يتناقص لو أخذنا منه شيئا، وأصل الاستدلالات هو التحليل وإن لم تكن مضطرًّا لتبيينه حال الاستدلال، لكنك في الواقع تقوم بالسبر والتحليل والحصر وهكذا.

بالنتيجة الشيء إما أن يكون أزليًّا وهي صفة القديم أو لا، وهي صفة الحادث، ولا قديم غير الله عزَّ وجل، وكلُّ موجودٍ غيره فهو حادث.

 

]٦٠[ الرواية التاسعة عشر: وعن الدقَّاق، عن الكليني، عن علَّان، عن محمَّد بن عيسى، عن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السلام) أنه قال: اعلم علَّمك الله الخير، أن الله قديم، والقِدم صفةٌ دلَّت العاقل على أنه لا شيء قبله ولا شيء معه في ديموميته، فقد بان لنا بإقرار العامَّة معجزة الصفة أنه لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه، وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شيء، وذلك أنه لو كان معه شيءٌ في بقائه لم يجزْ أن يكون خالقًا له، لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقًا لما لم يزل معه؟! ولو كان قبله شيءٌ لكان الأول ذلك الشيء لا هذا، وكان الأول أولى بأن يكون خالقًا للثاني من الثاني للأول، الحديث.

ورواه في عيون الأخبار كذلك.

 

نلاحظ أن الإمام (عليه السلام) بدأ كلامه بالدعاء للمخاطَب، وربما نستفيد من ذلك أن الخطاب في الأمور المهمة يستدعي الدعاء للمخاطَب.

 

كلام في الآداب العامة للمناقشات:

ينبغي أن نلتزم بما جاء في الروايات في مقام المناقشة، فتُكنِّي المخاطَب -مثلًا- إن كان جالسًا معك، وتذكره باسمه لو كان غائبا، ولم تستثنِ الروايات أحدًا من هذه الآداب، فالروايات الواردة في الآداب العامة ممَّا ينبغي أن ننقاد إليها كغيرها من الروايات، ولا ينبغي أن نغفل عن كون حالةِ المناقشة محضرٌ للشيطان، لذلك لا بدَّ أن نراعي الآداب ونهذِّب النفس فيها، ويكفينا أن نتأسَّى برسول الله (صلى الله عليه وآله)، فنجد في بعض الروايات أنه إذا كان يُحدِّث أحدًا أقبل عليه، وكذا الروايات التي تُرشِد لحسن الاستماع وغيرها من الآداب.

 

المراد من قوله (عليه السلام): "العامَّة" هو كلُّ الموجودات العاقلة وغير العاقلة بحسب ما فهم المازندراني في شرحه للكافي. قال: "أي بإقرار عامَّة الموجودات كلِّها بلسان الحال والإمكان وبعضها بلسان المقال والبيان والإقرار".

معجزةَ أو معجزةُ: إمَّا أن يكون المراد من (الإقرار) أقرَّ بالحقِّ إذا اعترف به، أو أقرَّ الحقَّ في مكانه فاستقر هو به، وعلى الأول تكون (معجزةَ) منصوبةً بنزع الخافض وهو الباء، وإن شذَّ نزعه في مثله، وعلى الثاني تكون منصوبةً على المفعولية، والمعجزة اسم فاعلٍ من أَعجَزْتُه، أو أَعْجَزَتْه، بمعنى جعلته عاجزا، أو بمعنى أعجزه الشيء أي بمعنى فاته الشيء، فهي منصوبةٌ على هذا.

ولعل الأقرب أن يقال: استقرَّت الصفة فاستقرت العامَّة.

 

القاعدة الكلية في هذه الرواية:

وجود القديم عِلَّةٌ تامةٌ لاستقرار الممكن. هذا إذا حلمنا (الإقرار) على الاستقرار، و (قَرَّ) هنا في قبال العدم لا في قبال الاضطرار.

 

قوله (عليه السلام): "ولو كان قبله ... للأول"، يؤكد أنه ما دام هذا الوجود مستقِرًا يثبت وجود قديم، وإن قلتَ قبله شيءٌ لكان ذلك الشيء هو القديم، وهذا كبرهانِ التسلسل، وإن كان الاستدلال من خلال استقرار هذه الموجودات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون