الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثاني والخمسون

 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الثاني والخمسون:

 

س: هل وقع كلامٌ في سند نهج البلاغة؟

الجواب: الخُطب والرسائل والكلمات في نهج البلاغة مجموعةٌ من كتبٍ شتى، ولم يكن الشريف في وارد ذكر الأسناد، ولكن بعض العلماء استخرجوا ما ورد في نهج البلاغة من غيره من الكتب وأسندوه، ولكن الملاحظ أن حتى الذين تحدثوا في أسناد نهج البلاغة لم يظهروا في الساحة، وإلا فأسنادها حالها كحال الكتب الأخرى فيها الصحيح وفيها الضعيف وغير ذلك، ولكننا نعتقد أن لهذا الكتاب عنايةً من الله تعالى، وكذا الحال مع الكافي وغيره مع ما تعرضت له هذه الكتب من تحديات، وبقيت هذه الكتب شامخة، حتى أنه لا يتحدث أحدٌ مطلقًا عن نهج البلاغة من جهة صحة الأسناد وضعفها، وقد يكون ممَّا ساعد على عدم التعرض للكتاب أنه لم يكن في مجال الفقه.

أما في كون الخُطب والكلمات مقتطعةٌ من سياقها، فلا إشكال فيها، لأن السيرة كانت هكذا في أغلب الكتب، فهي سيرةٌ للمحدِّثين، وليست خاصةً بنهج البلاغة أو بعض الكتب.

 

تتمة الرواية السابقة:

عقَّب الزنديق بالسؤال: "فمن أين قالوا: إن الأشياء أزلية". وهنا نلاحظ طريقةً خاصةً ومنهجًا في الجواب من الإمام (عليه السلام)، ونعني من كونها خاصةً أنها لا تصحُّ في كل موردٍ ومقام، حالها كحال الجواب النقضي كما مرَّ بيانه، وهو قوله (عليه السلام): "هذه مقالة قومٍ جحدوا مدبِّر الأشياء فكذبوا الرسل ومقالتهم، والأنبياء وما أنبأوا عنه، وسمَّوا كتبهم أساطير الأولين، ووضعوا لأنفسهم دينًا برأيهم واستحسانهم"، وهذا الشق من الجواب قد نوجه له سؤالا، وهو: كيف أجاب الإمام (عليه السلام) بهذا الجواب، والحال أنه يحاور زنديقًا لا يعترف بالله والأديان؟

في الواقع -بحسب فهمنا- هي طريقةٌ في الجواب يريد الإمام (عليه السلام) من خلالها توهين المخاطَب، بل هو ضربٌ لقواعده ومبتنياته، وإن كان بشكلٍ غير مباشر، ثم يتبعه بالجواب الذي لا يحار له جوابا، وكذا يمكن القول أن الإمام (عليه السلام) أراد أن يصف له حاله، ويخلق حالة الشعور بالأمر في نفسه، ثم يجيب بالجواب المُسكت، وهذا الجواب الذي ينبغي أن نقف عنده.

هذه الموارد التي ذكرها الإمام (عليه السلام) -في ذيل الرواية- مكانٌ للتفكير والتأمل والتدبر، وهذه المسألة أيضًا إمَّا أن تأخذ بالإنسان لأعلى المستويات، وإما أن تجعله كثير الشك والوسوسة، فيصبح كل همه التفكر والتدبر في الأمور، بما يتجاوز الحد المطلوب فيها، بل قد يصل الأمر لأن يفقد التدبر قيمته كما لو ساوى في تدبره بين الأشياء العظيمة كالأفلاك والأشياء قليلة الأهمية.

 

لا مزيد كلام في الروايات الباقية من الباب..

 

أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب ١٣ - أن الله سبحانه لا يدركه شيءٌ من الحواس:

 

]٧٨[ الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال للزنديق حيث سأله عن الله ما هو؟ قال: هو شيءٌ بخلاف الأشياء، ارجع بقولي لإثبات معنى، وأنه شيءٌ بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة، ولا يحسُّ ولا يجس، ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الأوهام، ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الأزمان، الحديث.

 

مرَّت نفس الرواية في بابٍ سابق.

قال (عليه السلام): "ارجع بقولي إلى إثبات معنى"، ويريد أن يقول للمخاطَب لا تحاسبني على الألفاظ لأنها ضيقة، لكن افهم المعنى الذي أريده.

قوله (عليه السلام): "وأنه شيء ... لا تغيره الأزمان"، كل شيءٍ مما تدركه الحواس والأوهام يشك فيه إلا الله تعالى، أما الله تعالى فندركه بالعقل، والعقل أعلى من الحواس وما يحس، ولذلك لا بدَّ أن نعتني بعقولنا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون