الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السابع والستون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال السابع والستون:
]١٢٠[
الرواية الثالثة: وبالإسناد عن صفوان، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرتُ أبا عبد الله
(عليه السلام) فيما يَروون من الرؤية، فقال: الشمسُ جزءٌ من سبعين جزءًا من نور
الكرسي، والكرسيُّ جزءٌ من سبعين جزءًا من نور العرش، والعرش جزءٌ من سبعين جزءًا
من نور الحجاب، والحجاب جزءٌ من سبعين جزءًا من نور الستر، فإن كانوا صادقين
فليملئوا أعينهم من الشمس ليس دونها حجاب.
أراد عاصم بقوله: "فيما
يروون من الرؤية"، ما يرويه العامَّة في ذلك، وأراد من الإمام (عليه
السلام) أن يُعطيه رأيه فيها.
الكلام في الرؤية
بالبصر، وهذه الشمس متوهِّجةٌ ولا أستطيع النظر فيها، فهل يكون الخالق متوهِّجًا
أكثر منها بالضرورة؟ لماذا لا أتمكَّن من رؤية الخالق إذا لم أتمكَّن من رؤية
الشمس؟
صيغة الأمر في
قوله (عليه السلام): "فليملئوا أعينهم"، يراد بها التعجيز
والتسخيف، وليس المراد منها هنا كشف الحقيقة، إذ لصيغة الأمر موارد متعدِّدة.
الإمام (عليه
السلام) حقٌّ مطلق، لكننا لو قلنا أن الاستدلال من الإمام (عليه السلام) في
الرواية غير صحيح لا يضرُّ بالرواية أو بعصمته (عليه السلام)، ولا نقول أن الإمام
(عليه السلام) -والعياذ بالله مخطئ- فهو ناظرٌ إلى مقامٍ معيَّن، وينبغي مراعاة
ذلك في فهم النص.
أين نجد جواب
إمكان رؤية الله تعالى؟
فلننظر في التالي:
ما هي قيمة الرؤية البصرية؟ هل العين هي التي تميِّز؟ ماذا لو تمكَّنا من التمييز
عبر أسلاك؟ لا أحتاج للباصرة حينئذ.
في الواقع الحواسُّ
مساعدةٌ للذهن لا أكثر، فليست هذه إلا طرق من أجل الذهن، والعمليات التحليلية تكون
في الذهن، فلا قيمة للباصرة لولا هذا الدور.
الآن، هل الله
تعالى وجود متشخِّصٌ بالمعنى الماديِّ أم لا؟ فإن كان في جهةٍ، فهو في جهةٍ ويُرى
وُجد البشر أو لا، أما من جهة رؤية الإنسان له تعالى، فنقول: لِمَ تبحثون هذه
المسألة؟ في الواقع هذا مبحثٌ لا قيمة له، لكننا اضطررنا إليه بسبب روايات وادِّعاءات
المخالفين القائلة بإمكان الرؤية.
الغاية من الإبصار
هي حصول العلم، فإذا حصل العلم بالله تعالى، لماذا تتعلَّقون بالرؤية البصرية؟
فالمسألة محسومةٌ
بالعقل في الفلسفة والكلام، وكذلك بالنصوص، فلا معنى لهذا التمسُّك بالرؤية، وهو
سبحانه محض العلم.
إذا كنت تريد
الرؤية والعلم بالله والإحاطة به من خلال الباصرة، وأنت لا تستطيع تحقيق العلم
بالشمس، بسبب توهُّجِها، إذ الطريق إليها هي الباصرة، وهذه فيها جزءٌ من النور
الإلهي، فكيف تريد أن ترى الله بالعين، وتُحيط به عِلمًا عن طريقها؟!
إذا أردت معرفة
الكرسي، فلا بدَّ أن تعرف الشمس، لأنها جزءٌ من سبعين جزءًا منه، فمن معارف الكرسي
ما هو موجودٌ في الشمس، فكيف تتمكَّن من المعرفة على هذا؟
اعتمد الإمام
(عليه السلام) التعجيز بالإبصار لأنهم قالوا أن البصر هو الطريق إلى الحقيقة، لا
أن هذه الرواية في مقام بيان الحقائق، أما الحقائق فنجدها في رواياتٍ أخرى خاصةٍ
بالمؤمنين.
وقد جاء هذا الأسلوب التعجيزي في القرآن الكريم كذلك، كما في قوله تعالى: {فَاتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} ]البقرة: ٢٣[.
تعليقات
إرسال تعليق