الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثاني والسبعون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الثاني والسبعون:
أبواب الكلِّيات
المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب ٢٢ - أنَّ الله سبحانه لا يُوصَف بجسمٍ
ولا صورة:
]١٢٩[ الرواية الأولى: محمَّد بن
يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمَّد بن عيسى، عن يونس، عن محمَّد بن حكيم، عن أبي
الحسن (عليه السلام) في حديث، أنَّه سأله عن القول بالجسم؟ فقال (عليه السلام): إنَّ
الله لا يُشبِهه شيء.
]١٣٠[ الرواية الثانية: وعن أحمد بن
إدريس، عن محمَّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي
عبد الله (عليه السلام)، أنَّه سأله عما رُوي أنَّ الله جسم؟ فقال (عليه السلام):
سبحان مَنْ لا يعلم أحدٌ كيف هو إلا هو، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، لا يُحدُّ
ولا يُحسُّ ولا يُجسُّ ولا تُدرِكه الحواسُّ ولا يُحيط به شيء، ولا جسمٌ ولا صورةٌ
ولا تخطيطٌ ولا تحديد.
]١٣١[ الرواية الثالثة: وعن محمَّد
بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن حمزة بن محمَّد، قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه
السلام) أسأله عن الجسم والصورة؟ فكتب: سبحان مَنْ ليس كمثله شيء، لا جسمٌ ولا
صورة.
]١٣٢[ الرواية الرابعة: وعن محمَّد
بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمَّد بن زيادٍ
(زيد)، عن الرضا (عليه السلام) في حديثٍ في توحيد الله، قال: عُرِفَ بغير رؤية، ووُصِف
بغير صورة، ونُعِتَ بغير جسم، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
العلاقة مع الله
سبحانه وتعالى في المعرفة علاقةٌ عقلية، بعد نفي كل معرفةٍ بالحواس، فيستنطق العقل
الفطرة، فالفطرة وجودٌ أعمى يقول بوجود الخالق، لكنَّ نورها هو العقل..
تنبيه:
لا ينبغي أنْ نتأثَّر
دائمًا بالمصطلحات فنجعل العقل دائمًا في مقابل النصوص، لذلك نقول دائمًا العقل الكلي
أو العقل الذي لا خلاف فيه أو المقابل للجهل، كي لا نقع في هذه المشكلة، وكذا
ينبغي الابتعاد عن حالة المصادمة بين العقل والنص، وهكذا.
]١٣٣[ الرواية الخامسة: وعن محمَّد
بن أبي عبد الله، عمَّن ذكره، عن عليِّ بن العباس، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر،
عن محمَّد بن حكيم، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في حديثٍ قال: إنَّ الله لا يُشبِهه
شيء، أيُّ فُحشٍ أو خنًا أَعظمُ من قول من يَصِف خالق الأشياء بجسمٍ أو صورةٍ أو بِخِلقةٍ
أو بتحديدٍ وأعضاء؟ تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيرا.
نجد درجة إنكارٍ
عاليةٍ من الإمام (عليه السلام) في قوله : "أيُّ فُحشٍ أو خنًا"!
مع أنَّ هذا الإنكار على قومٍ مؤمنين بالله، لكنَّهم وصفوا الله بهذا الوصف،
فواجههم الإمام (عليه السلام) بهذا الإنكار الشديد، وقد وقع هؤلاء في مثل هذا
الأمر لسببين رئيسيين:
الأول: عدم القدرة
على الانعتاق من الدنيا، فلا يُمكِنهم التفكير إلا بمعاييرها وموازينها، فمسألة
تجرُّد الله تعالى لا يستطيع أنْ يتصوَّرها.
الثاني: التعامل
مع النصوص على أنَّها وافيةٌ بكل المعاني المطلوبة، فلا يوجد لدى من يتعامل بهذه
الطريقة شيءٌ اسمه ضيق عبارة، ولا يجعل اعتبارًا للعقل والسليقة ولا لشيءٍ آخر، فتجده
في (يد الله فوق أيديهم) يقول أنَّه تعالى له يدٌ والعياذ بالله، فجمودٌ على
النصوص وفقط.
]١٣٤[ الرواية السادسة: وعن عليِّ بن
محمَّدٍ رفعه، عن محمَّد بن الفرج الرُّخَّجي، قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه
السلام) أسأله عمَّا قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة؟ فكتب:
دعْ عنك حيرة الحيران واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان.
"أقول: نقل السيد المرتضى وغيره أن تهمة
الهشامين بذلك غير صحيحة وأنهما بريئان منها، وإنما اتهمهما العامة، وعلى هذا يمكن
أن يحمل قوله (عليه السلام) ليس القول إلخ، أن المراد ليس القول الذي حكيته قول
الهشامين".
هذان الرجلان من
تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام)، بل كان الإمام يُحيل عليهما، ولكنَّ الكلام
في التفاصيل، فالإمام موجودٌ معك فلماذا تجتهد من نفسك؟ وقد نقل الحرُّ العامليُّ
هنا قول السيد المرتضى وغيره في دفع التهمة عنهما.
تنبيه:
لا بدَّ أنْ نعيَ
أنَّ الأصحاب ليسوا معصومين، ولا ينبغي أنْ نتعامل مع مثل هذه الروايات التي تذمُّهم
بحساسية، ولا أنْ نخرجَ المذموم منهم من الإيمان لبعض أخطائه، فأفضل الأصحاب قد
وقعوا في الخطأ، ولا مشكلة عندنا في ذلك، ولا يؤدي بنا هذا إلى مَحقِ كل سيرته.
]١٣٥[ الرواية السابعة: وعن محمَّد
بن أبي عبد الله، عن محمَّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن
الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن المُغيرة، عن محمَّد بن زياد، عن يونس بن ظبيان،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، أنَّه سُئِل عمَّن قال بالجسم؟ فقال: وَيلَه،
أما عَلِم أنَّ الجسم محدودٌ متناه؟ والصورة محدودةٌ متناهية؟ فإذا احتمل الحدَّ
احتمل الزيادة والنقصان، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقًا، قال: قلت: فما
أقول؟ قال: لا جسمٌ ولا صورةٌ وهو مُجسِّمُ الأجسام ومُصوِّر الصور، لم يَتَجَزَّ
ولم يَتَنَاهَ ولم يَتَزَايَدْ ولم يَتَنَاقَص، ولو كان كما يقولون لم يَكُنْ بين
الخالق والمخلوق فرق، ولا بين المُنشِئ والمُنشَأ، لكنْ هو المُنشِئ، فرقٌ بين مَنْ
جَسَّمَهُ وصَوَّرَهُ وأَنْشَأَه، إذ كان لا يُشبِهُه شيءٌ ولا يُشبِه هو شيئًا.
الجسم متناهٍ أيْ
هو مقهورٌ بحدوده، فيكون في جهةٍ دون أخرى، وإذا فرضنا أنَّ الخالق محدودٌ فهو
يزيد وينقص، وإذا احتمل الزيادة والنقصان يكون مخلوقًا فهو محلٌّ للحوادث، وهو ليس
كذلك.
وأراد من قوله (عليه السلام): "مُجَسِّمُ الأجسامِ ومُصوِّرُ الصور"، أنَّه لا جِسمَ قَبلَه ولا صورة قَبلَه لأنَّه مَنْ جَسَّمَ الأجسام وصَوَّرَ الصور.
تعليقات
إرسال تعليق