الاعتزازُ بالانتماءِ للحقِّ
يتعرَّض الدين الحقُّ المتمثل في توحيد الله للتشكيك والهجمات منذ نزول آدم (عليه السلام) إلى هذه الدنيا، ولا تزال هذه التشكيكات والهجمات تتكاثر وتنمو على مرِّ العصور، فلم يخلُ منها أي زمن، وهو من أسوأ ما اقترفته البشرية على مرِّ التاريخ دون شك.
في قبال ذلك أرسل الله رسله وأولياءه في
مواجهة هذه الترَّهات، مبشرين ومنذرين فلم يترك لمعاندٍ حجَّةً عليه تعالى، وتبع
هؤلاء الرسل جمعٌ من العلماء والمؤمنين الذين التزموا جادَّة الحق وهبُّوا للدفاع
عنها في وجه كل مستكبر، وتنوعت أساليب تلك المواجهة من الطرفين كما هو معلومٌ لمن
تتبع التاريخ، فكل يومٍ نجد للكفر والشرك أساليب شيطانيةٍ متجددة، ونجد للحق رجالًا
يدافعون عنه، وستظل هذه الحرب قائمةً بين الحق والباطل إلى أن يشاء الله تعالى.
وهنا نسجل الملاحظة التالية: في الكثير من
الحُقب الزمنية التزم أهل الحق أسلوب الدفاع وردِّ الشبهات والتشكيكات من
المبطلين، وهو أمرٌ جيد، لكن اتخاذه طريقًا وحيدًا من قبل بعض أهل الحق لم يكن أمرًا
صائبا، بل أن أهل الحق أحيانًا يدافعون وكأنهم في موقع الضعيف الذليل في مقابل
القوي العزيز، ولعمري فإن الأمر إنما هو بالعكس، لأن الضعيف هو الفاقد للحجة،
والمفتقر للأدلة والبراهين على ما يدعيه، وفي خِضم هذا وفي طيات قراءاتي استوقفتني
قصةٌ وردت في القرآن الكريم، تحدثت عن صاحب بستانٍ اغترَّ بما يملك، واجهه رجلٌ
مؤمنٌ بقوةٍ وفخرٍ بانتمائه لدين الله تعالى.
يبدأ القرآن الكريم ذكر هذا المثل من الآية
الثانية والثلاثين من سورة الكهف، فتُبين الآيات أن أحد رجلين كان يملك جنتين
مليئتين بالزرع والنخل والثمر، تفجَّر بينهما نهرا، فمقومات البقاء والإثمار
واضحة، فأثار كل هذا الرزق العُجب والغرور في نفس هذا الرجل، فبدأ يتكبر على صاحبه
ويفتخر أمامه، ثم ظن أن ما يملك لا يزول، بل أن الساعة لا تقوم! ثم مضى في غفلته
وقال: أنني إذا عدت إلى ربي سأجد منه خير، قال تعالى: {وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ
قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا
مُنقَلَبًا}، لكن صاحبه لم يتأثر بكل هرج ومرج هذا الرجل المغرور، فأجابه بكل قوة،
فأرجعه إلى أصل خلقته أولا، وأن خالقه من ترابٍ هو الله تعالى، ثم أن الذي خلقك هو
ربي ولا أشرك به أحدا، ثم استمر الرجل المؤمن بمنطقه القوي، فأرشده إلى ما كان
ينبغي منه، قال تعالى: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ
لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا}،
ولا يهمني هذا الذي تراني عليه وأنا ألجأ إلى ربي وأطلب منه ما أريد وأرجو أن
يستجيب لي، قال جلَّ وعلا: {فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ
وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاء فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}،
وتستمر الآيات في بيان هذه القصة المثيرة للاهتمام.
هذا المثل العظيم من الأمثال القرآنية المهمة
للغاية، ففي مقابل رجلٍ أنكر فضل الله عليه واغترَّ بنفسه وماله وولده، نجد رجلًا
مؤمنًا يفتخر بانتمائه لله تعالى، يدافع عن معتقده بقوة، اعتمادًا على ربِّه
العظيم، فصاحب البستان انطلق من إنكاره للآخرة ولفضل الله تعالى عليه بأن أنعم
عليه بهاتين الجنتين، أما الرجل المؤمن فانطلق من الإيمان بالله والاعتزاز بهذا
الإيمان، وأكده بأكثر من طريق.
هذا ما ينبغي أن نكون عليه كمؤمنين وسائرين
على نهج الحق، الاعتزاز والفخر بالانتماء لدين الله، للتوحيد، وبإسلامنا وإيماننا،
نحتاج لردِّ الشبهات والتشكيكات للدفاع عن المؤمنين، ولكن نحتاج أيضًا للانطلاق من
موقع القوي، ونُطلِق ما نراه بقوةٍ واعتزازٍ في حدود الإطار الذي رسمه لنا القرآن
الكريم والعترة الطاهرة، فكم هو عزيزٌ هذا الدين وكم هم أعزاءٌ أهله، فينبغي أن لا
نتخلَّى عن هذه العزَّة والقوة، وأن نجعلها في إطارها الصحيح كما أشرنا.
ملاحظة: راجع الآيات ٣٢-٤٤ من سورة الكهف.
محمود سهلان العكراوي
العكر الشرقي - البحرين
الأحد ٢٣ ذو القعدة ١٤٤٢هـ
الموافق ٤ يوليو ٢٠٢١م
بارك الله فيكم شيخنا الكريم وجزاكم الله خيراً وزادكم إيماناً وثباتاً على الدين
ردحذف