الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال سبعون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال سبعون:
أبواب الكلِّيات
المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب ٢٠ - أنَّ الله سبحانه لا يُدرِكه وَهم:
]١٢٥[ الرواية الأولى: محمَّد بن
يعقوب، عن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد بن عيسى، عن ابن أبي نجران (نَصر)،
عن عبد الله بن سِنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: {لا تُدْرِكُه
الأَبْصَار}، قال: إِحاطة الوَهْم، ألا ترى إلى قوله: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ
رَبِّكُم} ليسَ يعني بَصَرَ العيون، {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِه} ليسَ يعني مِنَ
البَصَر بعينه {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} ]الأنعام: ١٠٤[ ليسَ يعني عَمَى العيون، إنَّما
عَنَى إِحاطَةَ الوَهْم، كما يُقال: فلانٌ بصيرٌ بالشعر، وفلانٌ بصيرٌ بالفقه،
وفلانٌ بصيرٌ بالدراهم، وفلانٌ بصيرٌ بالثياب، الله أعظمُ من أنْ يُرَى بالعين.
الوَهْم: من خَطَرَات
القلب، وتوهَّم الشيءَ أيْ تخيَّلَه وتمثَّله.
كيف يتخيَّل ويتمثَّل؟
التخيُّل والتمثُّل
هو تركيب صورٍ معيَّنةٍ موجودةٍ في الذهن، وبالنسبة لما نحن فيه -أيْ في ما يخص
الله تعالى- أكثر ما نسمعه خصوصًا من الصغار أنَّه كالرجل له لحيةٌ بيضاء طويلة،
ولكن من أين جاء هذا؟ هذا التوهُّم والتمثُّل جاء لأنَّنا نرى الحكيم والوقور عادةً
بهيئةٍ معينة، فنجمع هذه الصور ونتمثَّل الشخصية التي نريد أنْ نحيطَ بها بهذا
الشكل.
إِحاطة الوَهْم:
أيْ كل الصور التي تريد أنْ تأخذ منها لتشكيل صورةٍ ما، فيُفترض أنْ تكون مُحيطًا
بالشيء الذي تريد أنْ تتصوَّره وتتمثَّله، فشرط التوهم هو الإحاطة، ولا يمكن
الإحاطة بالشيء إلا من خلال مُبرِزاته ومُشخِّصاته، وهي هذه الصور التركيبية.
بصائر: هذه الكلمة
وردتْ في الآية ولا يُراد بها بصر العين، والبصائر هي الخُبُرات، والعِلم دون
واسطة الجوارح، والتزام القول بالحاجة إلى الجوارح هو من مقولات أهل الدنيا، ولا
بدَّ من الحذر منها، ولا بدَّ من معرفة حدود هذه الجوارح.
يبين الإمام أنَّ
المراد من البصر في الآيات المطروحة ليس البصر بالعين، ثمَّ يستشهد باستعمالاتنا
في مثل قولنا (بصيرٌ بالشعر، وبصيرٌ بالفقه، وبصيرٌ بالدراهم، وبصيرٌ بالثياب)،
ونحن لا نعني من البصر هنا بصر العين كما هو واضح، بل المعنى هنا هو الخبير.
]١٢٦[ الرواية الثانية: وعنه، وعن
أحمد بن محمَّد، عن أبي هاشمٍ الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال:
سألته عن الله هل يُوصَف؟ فقال: أَوَمَا تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: أَوَمَا تقرأ
قوله تعالى: {لا تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار} ]الأنعام: ١٠٣]؟ قلت: بلى، قال: فتعرفون
الأبصار؟ قلت: بلى، قال: ما هي؟ قلت: أبصار العيون، فقال: إنَّ أوهام القلوب أكثر
من أبصار العيون فهو لا تُدرِكه الأوهام وهو يُدرِك الأوهام.
السؤال كان عن
إمكان الوصف، لكنَّ الإمام (عليه السلام) انتقل للحديث عن البصر، لماذا؟
أجاب (عليه
السلام) بنفي الطريق إلى التوصيف، لأنَّ الجوارح وكذا أوهام القلوب لا تدركه
تعالى، وأوهام القلوب أكثر من أبصار العيون، ومع ذلك أنت لا تستطيع أنْ تصفه من
خلالها، فكيف تريد أنْ تُدركه بالبصر، وبهذه الطريقة أبطل المسألة من رأس.
سؤاله (عليه
السلام): "أَوَمَا تقرأ القرآن؟"، هو من نوع الأسئلة التأديبية،
وقد كرَّر الإمام (عليه السلام) على السائل مثل هذه التساؤلات، وذلك لأنَّه أراد
تنبيهه على قراءة القرآن بتدبُّر، واستعمال هذا الأسلوب لا يكون في كل شيء، وقد
استعمله الإمام (عليه السلام) هنا في مسألةٍ خطيرةٍ وهي التوحيد، لكنْ لا يصح
استعماله من غير المعصوم مع الناس في كل أمر، ولا بدَّ أنْ يكون استعماله بحكمة.
في ذيل الرواية
أجاب الإمامُ (عليه السلام) السائلَ بأنَّ أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون ولا
تدرك الله بها، فكيف تدركه بالعين؟ وبالتالي لا تتمكن من وصفه تعالى.
]١٢٧[ الرواية الثالثة: وعن محمَّد
بن أبي عبد الله، عمَّن ذَكَرَه، عن محمَّد بن عيسى، عن داود بن القاسم، عن أبي
هاشمٍ الجعفري، قال: قلتُ لأبي جعفرٍ (عليه السلام): {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ
يُدْرِكُ الأَبْصَار} ]الأنعام: ١٠٣[؟ فقال: يا أبا هاشم، أوهامُ
القلوبِ أدقُّ من أبصارِ العيون، أنت قد تُدرِك بوهمكَ الهند والسند والبلدان التي
لم تَدخلها ولا تُدركها ببصرك، وأوهامُ القلوبِ لا تُدرِكه فكيف أبصارُ العيون؟
بالوهم يمكنك أنْ
تتصوَّر البلدان والأشياء التي لم ترَها ما دامت في ذهنك بعض الصور، كما هو الحال
مع الشوارع وحركة السير وما شابهها، حيث تتوَّهم الأماكن التي لم تزُرْها من خلال
هذا الوهم، ومع هذا لا تتمكن من إدراك الله بها، وبالتالي لا يمكن إدراكه تعالى
بأبصار العيون.
تعليقات
إرسال تعليق