الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال التاسع والستون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال التاسع والستون:
متابعةٌ للرواية
السابقة:
زيادة بيانٍ
للمراد من حقيقة الإيمان: نتكلَّم في مجموعةٍ من النظريات، ونفهم هذه النظريات
بالمناقشة، ويُثبِتها أحدنا بالبرهان، فهل يصحُّ أن تقول: هذه النظرية لم أَرَهَا
بعيني فلن أُؤمِن بها؟ من الواضح أنه غير صحيح، ويكفي عِلْم قلبك بها، فعلمها صار
متحقِّقًا في نفسك، فإذا تحقَّق العلم بالشيء دون توسُّط الجوارح، قيمة الجارحة
بالنسبة لهذا الشيء تسقط، فمقدمات الإيمان تدلُّ على وجود الله تعالى، فنحن نراه
ولكن بحقيقة الإيمان في القلوب، وهذا مُغنٍ، فالعلم حصل.
توضيحٌ في معنى
الرؤية:
نأتي أولًا ونرى
هذه الكلمة وُضِعت لماذا، فإن وُضِعت للعين الباصرة فاستعمالها دون شكٍّ في رؤية
القلب مجاز، لكنَّه في الواقع خلاف التحقيق، لأن أصل الوضع -ولا نقصد الأقسام
الأربعة التي ندرسها في الأصول- ما نُقِلَ إلينا، فهناك أمورٌ منشؤها الحكمة
الإلهية، فوُضِعت ألفاظٌ لمعانيها بقوةٍ خُلِقت مع الإنسان، ومن هنا جاءت نظريةٌ
-دقيقةٌ- تقول: أن الألفاظ وُضِعت لمعانٍ لا لمصاديق، ثم جاء الإنسان وطبَّق
الألفاظ على مصاديق المعنى، وصار الاستعمال حقيقيًا في أجلى المعاني، وبالتالي صفة
الحقيقة والمجاز مسألةٌ إداريةٌ تنظيميةٌ عند الناس، وإلا فكل الاستعمالات حقيقية.
الآن إذا جاءت
الرواية واستعملت لفظة الرؤية، فهل نحملها على المجاز أو الحقيقة؟ الجواب يعتمد
على ما نذهب إليه، والمشهور أن الرؤيةَ رؤيةُ البصر، وقد يُثبِت بعضهم في معاجم
اللغة أن رؤية القلب رؤيةٌ حقيقيةٌ أيضا.
تنبيه:
عند النظر في أيِّ
مسألةٍ تمرُّ علينا في أيِّ عِلم، لا بدَّ لنا أن نسأل عن منشأ المسألة، لا أن
نكتفي بما قاله السابقون علينا، ففي مسألة الوضع مثلًا، نجد أنفسنا نفكِّر من خلال
الألفاظ، فنسأل كيف وُضِعت الألفاظ للمعاني؟ والذي وضع الألفاظ لهذه المعاني كيف
كان يُفكِّر قبل وضع الألفاظ؟ من هنا ينبغي أن يبدأ البحث.
]١٢٣[
الرواية السادسة: محمَّد بن عليِّ بن الحسين في الأمالي، عن الطَالقاني، عن ابن عُقدَة،
عن المنذِر بن محمَّد، عن عليِّ بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفَضْل، قال:
سألت أبا عبد الله جعفر بن محمدٍ الصادق (عليه السلام) عن الله تبارك وتعالى، هل يُرَى
في المعاد؟ فقال: سبحان الله وتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، يا ابنَ الفَضْل إنَّ
الأبصار لا تُدرِك إلا ما له لونٌ وكيفيةٌ، والله خالق الألوان والكيفية.
إسماعيل بن الفضل:
ثقةٌ، هاشميٌّ مدنيٌّ، روى عن الصادِقَينِ (عليهما السلام)، وقيل أنه لم يدرك
الإمام الكاظم (عليه السلام)، ونذكر هذا الكلام لأن السؤال نفسَهُ يأتي من
الزنديق، وبالتالي فالنظر يكون في الفرق في ردِّ الإمام عليهما لاختلاف حالهما.
قوله (عليه
السلام): "والله خالق الألوان والكيفية"، يعني أنه مُستغنِ عنها.
وسيأتي أنه تعالى لا يُكيَّف بكيفٍ ولا يُؤيَّن بأين، أيْ هو سالمٌ من المقولات
التي نتعرَّض لها في المنطق والفلسفة.
مثلًا: الجلوس على
الكرسيِّ من مقولة الوضع، وهذا مُظهِرٌ لحقيقةٍ مقصودة، فلو تحقَّقت هذه الحقيقة
دون الجلوس على الكرسي لاستغنيتَ عن هذا الوضع من الجلوس على الكرسي، وبالتالي هذه
الحقائق تُظهِرها هذه العوارض، وهذه العوارض سمَّيناها بتسمياتٍ معيَّنةٍ معلومة.
]١٢٤[
الرواية السابعة: وفي عيون الأخبار، وفي التوحيد، والأمالي، عن ابن تاتانة، عن عليِّ
بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عُمَير، عن إبراهيم الكَرْخي، قال: قلت للرضا
(عليه السلام): إنَّ رجلًا رأى ربَّه في المنام، فقال: إنَّ ذلك رجلٌ لا دين له،
إنَّ الله تبارك وتعالى لا يُرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في
الآخرة.
تقدَّم الكلام أنَّ
الله تعالى لا يُرى، وما تراه في المنام مُرتبِطٌ بما تراه في اليقظة، فلستَ ترى
أشياءً جديدةً هناك على أيِّ حال.
قال الإمام (عليه السلام) أن هذا الرجل لا دين له، وذلك لأنه يعبد ربًّا يُرى، إذًا هو لا يعبد الله تعالى.
تعليقات
إرسال تعليق