الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الرابع والسبعون

 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

المقال الرابع والسبعون:

 

]١٣٩[ الرواية الرابعة: محمَّد بن عليِّ بن الحسين في الأمالي والتوحيد، عن محمَّد بن عليٍّ ماجيلويه، عن عمِّه، عن محمَّد بن عليٍّ الكوفي، عن محمَّد بن سنان، عن أَبَانٍ الأحمر، قال: قلتُ للصادق جعفر بن محمَّدٍ (عليه السلام): أَخبِرني عن الله تعالى، لم يزلْ سميعًا بصيرًا عليمًا قديرًا؟ قال: نعم، فقلتُ له: إنَّ رجلًا ينتحل موالاتكم أهل البيت يقول: إنَّ الله تبارك وتعالى لم يزلْ سميعًا بسمعٍ، وبصيرًا ببَصرٍ، وعليمًا بعِلمٍ، وقادرًا بقُدرةٍ، قال: فَغَضِبَ (عليه السلام) وقال: من قال بذلك ودانَ به فهو مُشركٌ، وليس من ولايتنا على شيءٍ، إنَّ الله تبارك وتعالى ذاتٌ علَّامةٌ سميعةٌ بصيرةٌ قادرةٌ.

 

قال أبان: "لم يزل"، وأراد السؤال هل هذه الصفات أزلية؟

 

إشارة:

إنَّ الصفة المُفاضة، فإنَّ الجِهةَ التي أفاضتها لا يمكن أنْ تكون -هذه الجهة- نفس الصفة فقط، فلا بدَّ أنْ تكون عالمةً قادرةً حكيمةً وغير ذلك، فتجتمع هذه الصفات لتتحقَّق الإفاضة على الوجه الصحيح، وكل صفةٍ تُفاض كالعِلم والقدرة وغيرها، فهي راجعةٌ إلى جهةٍ لها هذه الصفات، بحيث تتحقَّق هذه الإفاضة، وما نحن بصدد بيانه أنَّ هناك جهةٌ واحدةٌ لها تلك الصفات.

 

أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها -  ب٢٤ - أنَّ صفات الله الذاتية قديمةٌ، وأنَّها عين الذات:

 

يُريد في هذا الباب بيان حيثية القِدَم، بعد الفراغ من أنَّ تلك الصفات ليست زائدةً على الذات.

 

]١٤٠[ الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد بن يحيى، عن سَعْد بن عبد الله، عن محمَّد بن عيسى، عن أيوب بن نوح، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديثٍ أنَّه كَتَبَ إليه: لم يزلْ الله عالمًا بالأشياء قبل أنْ يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعد ما خلقَ الأشياء.

 

قوله (عليه السلام): "لم يزل" إشارةٌ للقِدَم.

عِلمنا قائمٌ على المقايسة والتمايز، وما لم نتخلَّص من هذا لا نفهم القِدَم، والأمور المتمايزة لا يمكن أنْ يكون العِلم بها قديمًا، واستحالته لأنَّ التمييز بين الأشياء من مقتضيات الحدوث، فالمُحدَثات تتمايز عن بعضها، لكنَّ كلامنا هو في عِلم الله تعالى، فهل عِلم الله بالمُحدَثات عِلمٌ بكل شيءٍ على حِدةٍ أو هو علمٌ واحدٌ لا تمايز فيه بين المُحدَثات؟

توضيح المسألة بأمرين:

الأول: وهو أمرٌ عامٌّ: من أساليب الخطاب للعقلاء الإجمال بحدٍّ مُفهِم، والبيان والتفصيل إذا احتجنا إليه بيَّنا وفصَّلنا بما يناسب المقام، بل الإجمال مهارةٌ مهمة، فقد يتمكَّن البعض من التفصيل ولا يتمكَّن من الإجمال، وبالعكس، والتفصيل موجودٌ في الذهن وإنْ أَجملنا في البيان، لكنَّه لا يكون مُلتَفَت إليه أحيانا، وليس هو عجزٌ عن التفصيل، ومن هنا نجد بعض الأعلام يقول: (فَذْلَكَة المَطْلَب)، ومعناها الإجمال. وبالتالي إذا كان المقام يستدعي الإجمال ينبغي أنْ نُجمِل، وإذا كان يستدعي التفصيل فصَّلنا في البيان.

الثاني: إذا تزوَّج أيُّ فردٍ يستحضر في ذهنه مسألة الأولاد، لكنْ لا على نحو التفصيل في كون المولود ولدًا أو بنتا، فهو يحب عنوان الولد، ثمَّ أنَّه إذا أنجب يميِّز بين هذا الولد وذاك الولد، فصار هذا التمييز من مقتضيات هذا الوجود؛ أيْ أنَّ هذا المقام يحتاج إلى تمييز، لا أنَّك أنت كأبٍ تحتاج إلى تمييز.

الآن، إذا عدنا بالكلام لعِلم الله وخرجنا من عالم الإمكان، فلا يستدعي المقام التمايز بين الأشياء، لأنَّ هذه المفاهيم كالقلم مثلًا لا يوجد ما يستدعيها في تلك النشأة، والعِلم بهذه الأشياء المُحدَثة عِلمٌ دُونِّيٌّ، وبالتالي وجود الأشياء في هذه النشأة لا يغير شيئًا من عِلم الله تعالى. فنُجيب أنَّ العِلم الكامل الذي لا يبلغه الإنسان، العِلم القادر على التفصيل في حين أنَّه غير مركب، هو عِلم الله، وهذه الأمور المعلومة في هذا الوجود ليست إلا مَظهرًا لعِلم الله تعالى بما يليق بهذا الوجود، فعِلمه سبحانه تعالى بالأشياء قبل أنْ يخلقها كعِلمه بها بعد أنْ خلقها، يعني أنَّ وجودها في هذا الوجود لم يغير في عِلم الله شيء.

 

]١٤١[ الرواية الثانية: وعنه، عن أحمد بن محمَّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمَّد، عن عبد الصمد بن بشير، عن فُضيل بن سُكَّرَة، قال: قلتُ لأبي جعفرٍ (عليه السلام): إنْ رأيتَ جُعِلتُ فداك أنْ تعلِّمني، هل كان الله يعلم قبل أنْ يخلق الخَلْقَ أنَّه وَحْدَه؟ فقد اختلف مواليك، فقال بعضهم: كان يعلم قبل أنْ يخلق الأشياء من خلقه، وقال بعضهم: إنَّما معنى يعلم يفعل، فهو اليوم يعلم أنَّه لا غيره قبل فعل الأشياء، فقالوا: إنْ أثبتنا أنَّه لم يزلْ عالمًا بأنَّه لا غيره فقد أثبتنا معه غيره في أزليته، فإنْ رأيتَ سيدي أنْ تعلِّمني ما لا أَعْدُوه إلى غيره؟ فَكَتَبَ (عليه السلام): ما زال عالمًا تبارك وتعالى ذِكره.

 

تفصيل جوابه (عليه السلام) هو ما مرَّ في بيان الحديث السابق. فنفى عدم العِلم، ونفى قرن العلم بالفعل، بهذا الجواب.

يمكن الإجابة على كل مقطعٍ من السؤال بجواب الإمام (عليه السلام). ويتبين من الرواية أيضًا:

أولًا: أنَّ السائل مسلِّمٌ للإمام (عليه السلام).

ثانيًا: أنَّ موالي أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يتكلَّمون ويختلفون، لكنَّ بعضهم يرجع للإمام (عليه السلام) ليحلَّ الإشكالات ويُجيب عليها، فيمكن لك أنْ تُفكِّر ابتداء، بل هو المطلوب لفهم الرواية، لكنْ لا تَستقل بفكرك عن المعصوم (عليه السلام)، فترجع للروايات وتصحِّح تفكيرك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون