الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السادس
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيد محمد السيد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال السادس:
[٨] الرواية الثامنة: وعن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي، عن محمد بن جفر المقري الجرجاني، عن محمد بن الحسن الموصلي، عن محمد بن عاصم الطريفي، عن عياش بن يزيد بن الحسن بن عليٍّ الكحال، مولى زيد بن علي، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّ الله خلق العقل من نورٍ مخزونٍ مكنونٍ إلى أنْ قال: فقال الربُّ تبارك وتعالى: وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقًا أحسن منك ولا أطوع لي منك ولا أرفع منك ولا أشرف منك ولا أعزَّ منك، بك أُوحَّد وبك أُعبد وبك أُدعى وبك أُرتجى وبك أُبتغى وبك أُخاف وبك أُحذر وبك الثواب وبك العقاب، الحديث.
القواعد الكلِّية:
الأولى: أحسن الخلق مطلقًا هو العقل.
الثانية: أطوع الخلق مطلقًا هو العقل.
الثالثة: أرفع الخلق مطلقًا هو العقل.
الرابعة: أشرف الخلق مطلقًا هو العقل.
الخامسة: أعزُّ الخلق مطلقًا هو العقل.
وقد أفدنا هذه القواعد بالنظر للحصر بتقديم المعمول والاستثناء بعد النفي.
وقد أورد الشيخ الصدوق (قدس سره) هذه الرواية في كتاب معاني الأخبار كاملةً فراجع.
ورد في بعض النسخ (والرأفة همَّه) عِوضًا عن (والرأفة فمه)، وما نقلناه هنا أنسب بالسياق حيث إنَّ الكلام عن الجوارح كالعينين واللسان وغيرهما.
تنبيه: اختصر الشيخ الحرُّ العامليُّ (قدس سره) الرواية لأنَّ العبارات التي لم يذكرها لا ترتبط بموضوع الكتاب، وعنوان الباب، فاكتفى بنقل ما يناسب موضوعه فقط.
الكلام في الرواية الكاملة التي أشرنا أنها وردتْ في معاني الأخبار لما فيها من نُكاتٍ ينبغي أنْ نتوقَّف عندها:
نُلفت النظر إلى أنه في قضايا العلم وطلبه، والتفقُّه في الدين، وحفظ المتون، وضبط النصوص، وتصور المسائل، مؤدَّاها كلُّها إلى جحيمٍ ما لم توضع في الطريق الصحيح، فإذا أردت أنْ تكون عالمًا كن قبل ذلك إنسانا. فنجد -مثلا- في روايات أهل البيت (عليهم السلام) أنهم يتكلَّمون عن النظرة المُزعجة للمؤمن، حتى وصل الحال في بعض الروايات للقول بلزوم الكفارة على هذا الفعل، فإلى أيِّ مدى ينبغي على طالب العلم خصوصًا أنْ يؤدِّب نفسه ويهذِّبها ويربِّيها؟ حتى يكون طالب علمٍ مرضيٍّ عند الله سبحانه وتعالى.
أودع الله تبارك وتعالى في كلِّ فردٍ عقلًا بحسب ما قسمه له، ولكن دعونا ننظر أين كان هذا العقل؟ وما هي الظروف التكوينيَّة التي مرَّ بها؟
هذا العقل الذي نحمله، والذي هو من نورٍ مخزونٍ مكنونٍ، حتى أفضل الخلق وهم الأنبياء والرسل والأئمَّة من أهل البيت صلوات الله عليهم ما اطلعوا عليه، هذه هي درجة تميُّزه، والكلام هنا عن مرحلةٍ أعلى من هذا الخلق الدنيوي، لأنه كان في سابق علمه؛ أي أنه كان قبل الخلق.
هذا الخلق العظيم -بحسب الظاهر- احتاج إلى ما يجعله صالحًا لهذه الدنيا، فهو أعلى وأرفع من هذه الدنيا، أي أنَّ الدنيا لا تتحمَّل طاقة العقل ولا وجوده مجردًا، وهذا نُفيده من قوله (جعل) بعد أنْ مرَّ أنه في سابق علمه، وسابق علمه لا توجد مرحلةٌ أعلى منها، وما احتاج إليه هو ما ذكرته الرواية (فجعل العلم نفسه ... قلبه)، فالعلم بلا فهمٍ لا يكمل، وما يتلو ذلك كلُّه من شأنيات العقل في هذه الدنيا، لأنه في ذلك العالم لا يحتاج إلا لنفسه.
ثم حشاه وقوَّاه بعشرة أشياءٍ حتى نحافظ على العقل الذي جعل الله له نفسًا ولسانًا وعينين وغير ذلك مما مرَّ ذكره، فنحتاج إلى ممارسة القناعة واليقين وباقي العشرة المذكورة، فكلَّما مارسناها حافظنا على قوَّة هذا العقل الذي أودعه الله تعالى فينا.
عندما استجاب العقل لله وعندما تكلَّم بالحمد والثناء فذلك راجعٌ إلى أنه صار عالمًا فاهمًا حكيمًا إلى غير ذلك، فصار لا يرى إلا الحق، ويُنكر ذاته، حيث ظهرت حقيقة العلم فيه، وتكلَّم بكلمة الحق، وهذه الكلمة لا ينطق بها على هذا النحو إلا من علم وفهم وصار حكيمًا.
عندما يكون المخلوق عالمًا وفاهمًا فهو لا يرى غير الله، والذي يريده الله تعالى من الخلق أنْ يوحِّدوه ويعبدوه، فهي غاية الغايات، فإذا وصل خلقٌ إلى هذه المرتبة فلا أفضل منه ولا أحسن منه ولا أعزَّ منه ولا أقرب منه.
تعليقات
إرسال تعليق