الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثامن

 



تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الثامن:

 

[٩] الرواية التاسعة: وعن محمَّد بن الحسن بن الوليد، عن محمَّد بن الحسن الصفَّار، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي إسحاق إبراهيم بن الهيثم الخفاف عن رجلٍ من أصحابنا، عن عبد الملك بن هشام، عن عليٍّ الأشعري، رَفَعَه قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): ما عُبِد الله بمثل العقل، الحديث.

 

الحديث مرفوعٌ إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وقد قلنا أنَّ الرفع قد يكون أمارةً على ادِّعاء الصحَّة إذا كان الرافع من الثقات، فإذا رَفَع الثقة الحديث فهو يُريد أنْ يقول أنه يقطع بأنَّ هذا الحديث صادرٌ عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، ولذلك يرفع الراوي من شأنِ ومحلِّ الحديث، فالرافع إذا كان معروفًا بالكذب لا غير المُوثَّق مطلقًا -حيث يختلف الكذَّاب عن الضعيف أو مَن لم يرد فيه توثيق، فالكذَّاب مُتَّهمٌ في رفعه-، فيَرِد عليه أنَّ رفعه أراد به الدفاع عن كذبه أو الظهور بصورةٍ أخرى، أمَّا إذا كان من الثقات فالأمر يختلف، وبالتالي فالرفع بما هو رفعٌ لا يمكن أنْ يكون أمارةً لا على ضعفٍ ولا على صحَّةٍ، فينبغي البحث في الرافع.

 

وفي الرواية حصرٌ عن طريق النفي ثم إثبات فردٍ واحد. وهذا الحديث متواترٌ مضمونًا في أفضليَّة العقل، فهو الجانب المشترَك بين هذا الحديث وباقي الأحاديث، وهذا قد يكون منصوصًا وقد يكون في غير محلِّ اللفظ. وقد نتمكَّن من الاستفادة من باقي ألفاظ الحديث كعنوان العبادة المطروح في هذا الحديث، لكنَّ الاستفادة لا تكون كاستفادتنا أفضليَّة العقل منه، فلو اختصَّ هذا الحديث بلفظة العبادة فلا نتمكَّن حينها من ترتيب الأثر على لفظ (ما عُبِد) لأنها غيرُ متواترةٍ، فتنتفي الخصوصيَّات اللفظيَّة في الحديث.

 

مثل هذا الحديث المتواتر مضمونًا إنْ لم نتمكَّن من القول بصدوره فلا أقلَّ نقول باعتباره، حتى بعض الأخباريين لا يقولون بصدور كلِّ ما في الكتب الأربعة، لكنهم يقولون باعتبارها في مقام الفقه، ومن هنا نُنبِّه على تميُّز الكافي الشريف على باقي الكتب الأربعة بأنه أوسع من دائرة الفقه. ويختلف الأمر بين ما إذا قلنا بصدور الروايات أو باعتبارها، فإذا قلنا باعتبارها فنُعذَر بالعمل بالروايات، ولكن إنْ قلنا بالصدور فلا نُعذَر في ترك أيِّ حرفٍ من الروايات دون العمل على الاستنباط الفقهي منه.

 

ما عُبِد الله بمثل العقل، وما عُبِد بمثل القلب، وربما أُريدَ بالعقل هنا الفطرة السليمة.

 

[١٠] الرواية العاشرة: وفي الخصال، عن أبيه، عن سعدٍ، عن أحمد بن هلال، عن أميَّة بن علي، عن عبد الله بن المغيرة، عن عمرو بن خالد، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلم): ما عُبِد الله بشيءٍ أفضل من العقل...، الحديث.

 

قد يصحُّ القول بأنَّ المماثَلَة الواردة في الرواية السابقة -بالجمع مع هذه الرواية- ليست هي مماثلة المادَّة، وإنما هي المماثلة في الفضل؛ أيْ ما عُبِد الله بمثل العقل في الفضل.

 

وقد يخطر بالذهن وجود ملازمةٍ بين كون عبادة الله بالعقل أفضل، وبين كون الثواب أكثر، ولكنَّ ذلك غير صحيحٍ، فاحتمالات الأفضليَّة كثيرةٌ، ومِن ذلك أنها يمكن أنْ تكون في عاصميَّة العبادة عن عقلٍ من الانحراف دون غيرها. فنحن نقطع بالأفضليَّة لكننا لا نتمكَّن من تحديد جانب الأفضلية من هذه الرواية وحدها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون