الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثاني عشر
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الثاني عشر:
أبواب الكلِّيات
المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها، ب3، وجوب العمل بالأدلَّة العقليَّة في إثبات
حُجِّيَّة الأدلَّة السمعيَّة:
]13[
الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد، عن أحمد بن محمَّد السيَّاري،
عن أبي أيوب البغدادي، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديثٍ أنَّه سُئِل ما الحُجَّة
على الخلق اليوم؟ قال: فقال (عليه السلام): العقل يُعرَف به الصادق على الله فيُصدِّقُه
والكاذب على الله فيُكذِّبُه.
قبل البدء في
الحديث حولَ الرواية نقول أنَّ عنوان الباب عبارةٌ عن قاعدةٍ في العقيدة والفقه،
فحُجَّتنا في تصديق ما جاء عن الأئمَّة (عليهم السلام) هو حكم العقل، وستتضح كيفية
استفادته.
في سند الرواية:
الحسين بن محمد:
وهو ابن عمران بن أبي بكر الأشعري: ثقة.
أحمد بن محمد السيَّاري:
ضُعِّف، والسبب في ذلك اتهامه أنَّه يقول بالتناسخ (تناسخ الأرواح)، ولكنَّ سبب
التضعيف فيه توقُّفٌ لأمرين:
الأول: هناك من
فهم أنَّه يقول بالتناسخ، ومن فهم ذلك قد يكون له شأن، فشاع عنه القول بالتناسخ،
فلا ضرورة لثبوت التهمة.
الثاني: قد تكون
طرأت له شبهةٌ، وذلك ليس بعزيزٍ، بل حتى أكابر الأصحاب كهشام بن الحكم عَرَضَتْ له شبهة
التجسيم كما هو معلومٌ، ففي طريق البحث كثيرًا ما تطرأ الشبهات، وقد تكون خطيرةً،
وتبقى لاصقةً بك حتى لو رَجعتَ عنها.
أبو أيوب
البغدادي: هو يزيد بن حماد بن الأنباري السَلمي، ثقة. لكنَّ المذكور في رواية
الكافي -كما سيأتي- هو أبو يعقوب البغدادي.
يبعُد أنْ يكون
المروي عنه هنا هو الإمام الرضا (عليه السلام) لأن الراوي الذي سأل الإمام هنا هو
ابن السِّكِّيت، وعاش في زمن الرضا (عليه السلام) لكنَّه عند وفاة الإمام لم يكنْ
في مقام السؤال بعدُ لصغره، فالأوفق والأقرب أنْ يكون المسؤول هو أبو الحسن
الثالث؛ أيْ الإمام الهادي (عليه السلام).
ابن السِّكِّيت:
هو يعقوب بن إسحاق، النحوي المعروف.
في متن الرواية
ومضامينها:
للوقوف على مضامين
الرواية بشكلٍ أفضل ننقلها كاملةً من أصول الكافي، حيث إنَّ الشيخ الحرَّ العامليَّ
نقل منها محلَّ الشاهد فقط:
عن أبي يعقوبَ
البغدادي، قال: قال ابن السِّكِّيت لأبي الحسن (عليه السلام) لماذا بعثَ الله موسى
بن عِمران (عليه السلام) بالعصا ويدِهِ البيضاء وآلةِ السحر؟ وبعثَ عيسى (عليه
السلام) بآلةِ الطب؟ وبعثَ محمَّدًا صلى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء
بالكلامِ والخُطَب؟ فقال أبو الحسن (عليه السلام): إنَّ الله لمَّا بعثَ موسى
(عليه السلام) كان الغالب على أهل عصره السحر، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وُسعِهِم
مثله، وما أبطلَ به سحرَهُم، وأثبتَ به الحُجَّة عليهم، وإنَّ الله بعثَ عيسى
(عليه السلام) في وقتٍ ظَهَرتْ فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطِّب، فأتاهم من
عند الله بما لم يكن عندهم مثله، وبما أحيا لهم الموتى، وأبرأَ الأَكْمَه والأَبْرَص
بإذن الله، وأثبت به الحُجَّة عليهم.
وإنَّ الله بعثَ
محمَّدًا (صلى الله عليه وآله) في وقتٍ كان الغالب على أهل عصره الخُطَب والكلام –وأظنُّه
قال: الشِعْرَ- فأتاهم من عند الله من مواعظه وحِكَمه وما أبطلَ به قولهم، وأثبتَ
به الحُجَّة عليهم، قال: فقال ابن السِّكِّيت: تالله ما رأيتُ مثلَكَ قَطُّ، فما
الحُجَّة على الخلق اليوم؟ قال: فقال (عليه السلام): العقل يُعرَف به الصادق على
الله فيُصدِّقُه، والكاذب على الله فيُكذِّبُه، قال: فقال ابن السِّكِّيت: هذا
والله هو الجواب. ]الكافي – ج1- كتاب العقل والجهل – ح20[.
المقصود من قوله
(الكلام والخُطب) في صدر الرواية، وقوله (مواعظه وحِكَمه) في ذيلِها هو القرآن
الكريم. ويبدو من طريقة كلام ابنِ السِّكِّيت أنَّه عالمٌ بالأمور وإنَّما سألَ عن
العِلَّة في ذلك.
الأَكَمه: هو الذي
يُولَد مَطْمُوسَ العينين.
ما الذي فهمه ابن
السِّكِّيت من جواب الإمام (عليه السلام) واكتفى به؟ وهل كان العقل حُجَّةً في زمن
الأنبياء (عليهم السلام)؟
الجواب: هل قول
الإمام (عليه السلام) أنَّ العقل هو الحُجَّة بعد زمن رسول الله (صلَّى الله عليه
وآله) يعني عدم كونه حُجَّةً في زمن الأنبياء؟ وهذه الأفعال من الأنبياء (عليهم
السلام) لو عِشتَها كيف ستنظُر إليها؟
المفصل في ذلك
ملاحظة أنَّه في مقام الادِّعاء، وكونُّها في هذا الإطار يجعل النظرة إليها مختلفةً،
فالعقل تتبادر إليه المعاني ويتحكَّم فيما يسبق إليه من خلال القرائن والمعطيات
التالية: أولًا: هذا رجلٌ يدَّعي النبوة، ثانيًا: هذا الرجل من شأنه أنْ يصدق.
العقل يلاحظ هذه الأمور.
أمَّا بعدَ انقضاء
زمن النبوَّة، يختلف الحال فنحن لا نرى المعاجز والأفعال التي صدرتْ من الأنبياء
(عليهم السلام)، والمُراد من حجِّيَّة العقل بعد زمن النبي (صلَّى الله عليه وآله)
أنَّه حُجَّةٌ في معرفة التفاصيل. منذ آدم كان هناك تراكمٌ في الدعوى لدين الله،
فالعقل ينظر إلى موسى (عليه السلام) على سبيل المثال كمدَّعٍى لأنَّه يعلم بوجود
الله، فالكلام يكونُ في تصديق المدَّعي على الله تعالى، ولكنْ بعدَ رسول الله (صلَّى
الله عليه وآله) مع وجود الكلِّيَّات والقواعد نحتاج لمعرفة التفاصيل حيث إنَّ
الدين قد كَمُل، وهذه الكلِّيَّات قد وُجِدت قبل الغيبة الكبرى بالشكل الكافي.
تعليقات
إرسال تعليق