الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الحادي عشر
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الحادي عشر:
عقدُ مقارنةٍ
بخصوص الرواية العاشرة بين النصِّ المذكور في الخصال والنصِّ المذكور في الكافي:
الرواية الأولى: رواية الخصال: حدَّثنا أبي (رضي
الله عنه) قال: حدَّثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن هلال، عن أميَّة بن علي، عن
عبد الله بن المغيرة، عن سليمان بن خالد، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام) قال: قال
رسول الله (صلى الله عليه وآله): لم يُعبد الله عزَّ وجلَّ بشيءٍ أفضل من العقل،
ولا يكون المؤمن عاقلًا حتى يجتمع فيه عشرُ خصال: الخير منه مأمول، والشرُّ منه
مأمون، يستكثر قليل الخير من غيره، ويستقلُّ كثير الخير من نفسه، ولا يسأم من طلب
العلم طول عمره، ولا يتبرَّم بطُلَّاب الحوائج قِبَله، الذلُّ أحبُّ إليه من العز،
والفقر أحبُّ إليه من الغِنى، نصيبه من الدنيا القوت، والعاشرة ما العاشرة، لا يرى
أحدًا إلا قال هو خيرٌ منِّي وأتقى، إنما الناس رجلان، فرجلٌ هو خيرٌ منه وأتقى،
وآخر هو شرٌّ منه وأدنى، فإذا رأى مَن هو خيرٌ منه وأتقى تواضع له ليلحق به، وإذا
لقي الذي هو شرٌّ منه وأدنى قال: عسى خيرُ هذا باطنٌ وشرُّه ظاهرٌ، وعسى أنْ يُختَم
له بخيرٍ، فإذا فعل ذلك فقد علا مجده، وساد أهلَ زمانه.
الرواية الثانية: رواية الكافي: في وصيِّة
الإمام الكاظم (عليه السلام) لهشام بن الحكم، قال: "يا هشام، كان أمير
المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عُبِد الله بشيءٍ أفضل من العقل، وما تمَّ عقل
امرءٍ حتى يكون فيه خصالٌ شتَّى: الكفر والشرُّ منه مأمونان، والرشد والخير منه
مأمولان، وفَضْلُ ماله مبذولٌ، وفَضْلُ قوله مكفوفٌ، ونصيبه من الدنيا القوت، لا
يشبع من العلم دهره، الذلُّ أحبُّ إليه مع الله من العزِّ مع غيره، والتواضع أحبُّ
إليه من الشرف، يستكثر قليل المعروف من غيره، ويستقلُّ كثير المعروف من نفسه، ويرى
الناس كلُّهم خيرًا منه، وأنَّه شرُّهم في نفسه، وهو تمام الأمر. يا هشام إنَّ
العاقل لا يكذب وإنْ كان فيه هواه".
النقاط المهمَّة
المسجَّلة من المقارنة:
١/ رواية الخصال ]الرواية الأولى[
تتحدَّث عن العاقل (ذي العقل)، أما رواية الكافي ]الرواية الثانية[
فتتحدَّث عن العقل وتمامه.
٢/ الرواية
الثانية فيها نوعٌ من التفصيل بخلاف الأولى، ومن ذلك تقييد الذلِّ بكونه مع الله
والعزُّ بكونه مع غير الله، ومنه -أيضًا- التفصيل الوارد على قوله (الخير منه
مأمول)، وذلك بما ورد في الرواية الثانية (فضل ماله مبذول) و (فضل قوله مكفوف).
٣/ الأولى عبَّرت
في مسألة طلب العلم بـ (لا يسأم) وهو نفيٌ لأمرٍ سلبيٍّ، فإنَّه قد لا يسأم لكنَّه
لا يجري خلف العلم، أما الثانية فعبَّرت بـ (لا يشبع) والنفي هنا لأمرٍ مطلوبٍ،
وبالتالي فيها نحو زيادةٍ وجريٌ نحو طلب العلم.
٤/ الأولى قالت
(لا يتبرَّم من طلَّاب الحوائج) فكأنَّه في مقام مَن ينتظر طلب الحوائج منه، ومِن
الجيِّد والممدوح أنَّه لا يتبرَّم من الطلَّاب قِبَله، لكنَّ الثانية ارتقت درجةً
أخرى فقالت (فضل ماله مبذول) فلا نجد الانتظار منه حتى يُطلَب منه، فكلَّما فَضل
عنده مالٌ سارع في بذله.
٥/ عندما ننظر في
الروايتين وما جاء عن هشام في الرواية الثانية يتبيَّن لنا أنَّه لا دخالة
للانحراف والغلو في الرواية الأولى.
٦/ يختلف الحال
بين الإجمال والتفصيل بالنظر إلى المُخاطَب وهذا ما ترك أثره بين إجمال الأولى
وتفصيل الثانية.
فائدتان:
الأولى: ممَّا
ينبغي أنْ يُلتفت إليه أنَّه إذا تعدَّدت الأسناد إلى رواياتٍ ذات مضامين متقاربة،
فنحن نحتمل إنْ كان نفس الإمام هو الذي أُسندت عنه الرواية مع بعض المؤيِّدات أنْ
تكون الرواية واحدةً، إنَّما لتعدُّد الرواة تعدَّدت الألفاظ، والاحتمال الثاني أنَّ
الحديث قِيل في موطنين، ومع تغيُّر الألفاظ في الموقفين فإنَّ الإمام قد يكون أراد
بيان سِعة المعنى لا تغيير المعنى، فنتجنب التزام الألفاظ بما هي ألفاظٌ دالَّةٌ
على معانٍ مُعجميَّة، فالمعاجم تتكفَّل بذكر ما وُضِع له اللفظ، وهذا غير كافٍ كما
هو واضح.
الثانية: لا ينبغي
التفصيل في الكلام مع المجموع (الجمهور) لما له من أضرارٍ عليهم، كالتشبُّث ببعض
الجُزئِّيَّات وعدم تحصيل الصورة الكلِّيَّة. والظاهر أنَّ الروايتين هنا اختلفتا
لاختلاف حال المُخاطَب، فرواية الإمام الكاظم (عليه السلام) كانت لهشام وهو من أجلَّة
الأصحاب، بخلاف رواية الإمام الباقر (عليه السلام).
[١٢] الرواية الثانية عشر: الحسن بن عليِّ بن شُعبة في تُحَف العقول، عن النبيِّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في حديثٍ، قال: إنَّ الله خَلق العقل، ثم قال له: أقبل فأقبل وقال له: أدبر فأدبر، فقال الله تبارك وتعالى: وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقًا أعظم منك، ولا أطوع لي منك لك الثواب وعليك العقاب.
لفظٌ جديدٌ ورد في
هذه الرواية، وهو (أعظم) في قوله: (ما خلقت خلقًا أعظم منك). وإلا فمفاد الرواية
مفاد غيرها من الروايات السابقة.
تعليقات
إرسال تعليق