من هنا وهناك (٤٧) درسٌ في البراءة

من هنا وهناك (٤٧) درسٌ في البراءة


شابٌّ في أول سنوات شبابه يحلق شعره ولحيته، لا تفارقُ الابتسامة وجهه، وبينما كنت أنتظر قام من الكرسي ودفعَ أجرة الحلاقة، تقدم نحوي خطوات، صافحني، وقبلني، ثم احتضنني، أشار بيده مودِّعًا بابتسامةٍ مرتسمةٍ على وجهه الملائكي ومضى..

في الحقيقة لا أنا أعرفه ولا هو يعرفني.. أجل مريضٌ من مرضى (متلازمة داون)، وهم ممَّن لا تخلو قريةٌ من قُرانا منهم، وكأنهم ملائكةٌ أرسلهم الله تعالى ليباركوا مجتمعاتنا، وليُذكِّرونا شيئًا ممّا نغفل عنه..

مثل هذا الفعل من هذا الشاب، لا أستطيع أن أنظر إليه إلا درسًا من دروس الحياة، من شابٍ لا زال بريق الفطرة يظهر على شفتيه، وكأنها رسالةٌ تقول:

هذا الإنسان المبتلى بهذا المرضى لا زال ببراءته يعطي المحبة ويطلبها، فيا أصحاب العقول السليمة من المؤمنين أنتم أولى بذلك، فعُودوا إلى فطرتكم وتبادلوا المحبة فيما بينكم، فليس أولى من المؤمنين بذلك أحد.

لو نظرنا فيما نراه من مواقفَ كل يوم، لوجدنا في قلبها مجموعةً من الحِكَم التي نحتاجها، ولا مانع من هذا النظر إلا الغفلة، فأدَّعي هنا أن كل ما يمرُّ علينا من مواقف هو تذكيرٌ لنا وتنبيهٌ من الغفلة، فصاحب العقل الواعي والقلب السليم ينبغي له أن ينظر في الأمور مُنقِّبًا عن كل حكمةٍ فيها، وهذا ممَّا يتميز به المؤمن ويرتقي به دون شكٍّ أو ريب.

محمود سهلان
١ رجب ١٤٤٠هـ
٨ مارس ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون