من هنا وهناك (٤٥) لا يأسَ مع رحمته

من هنا وهناك (٤٥) لا يأسَ مع رحمته


لا شكَّ ولا ريب في عِظم المعصية حتى التي نراها صغيرة، فإنك لو نظرت للأمر جيدًا لوجدت أنك عصيت مَن أنعم عليك بكل شيءٍ بعد أن لم تكن شيئًا يُذكر، والذي يملك زمام أمورك وأمور كل الخلق في كل صغيرةٍ وكبيرة، فأنت بذنوبك ومعاصيك تقابل الخالق المنعم القادر الجبار، وهذا ممّا هو واضح، فمع كون الذنب صغيرًا من جهةٍ يبقى عظيمًا من الجهة التي أشرنا لها.

إنما الكلام في ما قد يصيب البعض من يأسٍ وقنوط، فكلما أذنب ذنبًا أو وقع في معصيةٍ تجده يميل إلى اليأس، متناسيًا أنه ما زال قادرًا على تغيير الحال، وناسيًا أنه كمؤمنٍ ينبغي له أن يعيش بين الخوف والرجاء، وهو حال المتقين، فإن كان الله عظيمًا جبارًا فهو رحيمٌ رحمنٌ كذلك، فاقتراف أي ذنبٍ ما لم يُخرج الإنسان من حدِّ الإيمان إلى الكفر أو الشرك ينبغي أن لا يوصله لحالة اليأس والقنوط، بل عليه أن يسعى للتوبة والإنابة.

الذنب قد يكون دافعًا للرجوع للطريق القويم، فقد ينجرف المؤمن نحو الذنوب والمعاصي كبائرها وصغائرها لكنه في لحظةٍ يلتفت إلى ذلك، فيُراجع نفسه ويصحّح طريقه، فلا يقوده يأسه إلى الابتعاد أكثر والانسلاخ من الإيمان، وهذا من أخطر مخاطر اليأس، فلو أن مذنبًا أصابه اليأس والقنوط فإنه حينئذٍ لن يجد دافعًا للتوبة والإنابة، بينما يمكنه ذلك لو تخلى عنهما وبدأ بمراجعة نفسه والرجوع للصراط المستقيم، بل لعلها تكون بداية انطلاقٍ نحو مستوياتٍ عاليةٍ من التقوى والإيمان.

الذنب منبوذٌ كما هو واضحٌ ولسنا بصدد التقليل من سوئه إلا أنني أردت أن أقول أن اليأس ذنبٌ كذلك، بل هو من أشد الذنوب وأكبرها، فكيف نتعامل مع الله الرحمن الرحيم بهذه الطريقة؟ فالمراد إذًا أن لا نجعل معاصينا وذنوبنا تقودنا نحو الشرك والكفر والخلود في الذنوب والمعاصي بالدنيا ثم الآخرة.

همسةٌ: لا تكنْ سببًا ليأس أحدهم وقنوطه من رحمة الله..

محمود سهلان
٢٥ جمادى الآخرة ١٤٤٠هـ
٤ مارس ٢٠١٩م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون