الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الحادي والثمانون


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

المقال الحادي والثمانون:

 

أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما يناسبها - باب ٢٧ - أنَّ أسماء الله سبحانه كلُّها مُحدَثةٌ مخلوقةٌ وهي غيره:

   [١٦٣] الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله، عن محمَّد بن عبد الله وموسى بن عُمَر، والحسن بن عليِّ بن عثمان، كلُّهم عن محمَّد بن سنان، قال: سألته -يعني الرضا (عليه السلام)- عن الاسم؟ فقال: صِفةٌ لموصوف.

 

   محمَّد بن سنان يسأل في هذه الرواية عن المقصود من الأسماء والمعاني، لا أنَّه يسأل عن الدال، سواء كان الدالُّ لفظيًّا أو كتبيًّا أو غير ذلك، فهو يريد ما يدلُّ عليه الاسم، فصفة القدرة مثلًا هي التي يسأل عنها لا  عن الدال عليها، فيكون سؤاله عن علاقة القدرة بالذات، فأجابه الإمام (عليه السلام) بأنَّها: "صفةٌ لموصوف"، ونحن نريد الحقيقة فقال له هذه صفة. ومقام التوصيف هو مقام التشخيص، وما لم يكن هناك محلٌّ لظهور الصفة لا نقول بوجود صفةٍ لموصوف، وهذا لا يعني عدم وجودها، لكنَّها تحتاج لِما يظهرها، فتظهر إذا احتجنا للوصف.

 

   [١٦٤] الرواية الثانية: وعن محمَّد بن أبي عبد الله، عن محمَّد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن بكر بن صالح، عن عليِّ بن صالح، عن الحسن بن محمَّد بن خالد، عن عبد الأعلى، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: اسم الله غيرُ الله، وكلُّ شيءٍ وقع عليه اسم شيءٍ فهو مخلوقٌ ما خلا الله، فأمَّا ما عبَّرَته الألسن وعَمِلَته الأيدي فهو مخلوق، إلى أنْ قال: الله خالق الأشياء لا من شيءٍ كان، والله يُسمَّى بأسمائه وهو غيرُ أسمائه والأسماء غيرُه.

 

   نتكلم عن الدوالِّ لكنَّنا نريد المدلول، وعندما نتكلم عن الله فإمَّا أنْ نقصد المُطلَق أو جهةً منه، ولا يمكن أنْ يكون المُطلَق لأنَّنا لا نحيط به تعالى، فنلحظ بعض جوانبه وهي مسائل منفصلة، لا أنَّها الذات، فهي ظواهر تدل على الذات المقدسة، ومُظهِراتٌ لعظمته سبحانه وتعالى، وإلا فالذات لا يمكن أنْ نسميها، لأنَّ الوضع يكون حينها خاصًّا والموضوع له عامًّا، وهذا غير ممكن. فإذا أردنا وضع لفظٍ لمعنى لا يمكن أنْ يكون عن طريق الصورة الرابعة من صور الوضع، لأنَّ التصور التامَّ فيها غير ممكن.

   قال (عليه السلام): "فأمَّا ما عبَّرَته الألسن وعَمِلَته الأيدي فهو مخلوق"، فنحن لا يمكن أنْ نتحدث عن كُنه الله تعالى، لأنَّنا لا يمكن أنْ نحيط به.

 

تنبيهٌ:

   كلُّ علمٍ نَدْرُسه فهو مأخوذٌ من الواقع، فلا بدَّ أنْ نأخذه من الواقع ثمَّ نُعيد انتاجه في حياتنا، فإذا جئنا لدرس الأصول مثلًا، فقِوام الفهم فيه هو تصور المسائل، وليس كلُّ من ادعى تصور المسألة فهو متصوِّرٌ لها بشكلٍ صحيح، فإذا لم تكن قادرًا على أخذ المسألة من الخارج وتصورها وإعادة انتاجها في فهمك وواقعك، فأنت غير متصوِّرٍ للمسألة لأنَّك تتصور أنَّ استعمالها فقط في استنباط الاحكام الشرعية، والمحذور يكون بأنَّك أخذت علم الأصول من نفس عملية الاستنباط، والحال أنَّك جاهلٌ بعملية الاستنباط عندما جئت لدراسة علم الأصول، وهو دورٌ محال.

 

   فإذا كنت تريد أنْ تتكلم عن ربِّ العالمين فينبغي أنْ تكون متصورًا له، وهذا غير ممكنٍ، فلا يمكن أنْ تتحدث إلا من جهة الإجمال لا من جهة التفصيل، وذلك للعجز عن التصور، ولذلك عبَّر (عليه السلام): "وأمَّا ما عبَّرَته ... فهو مخلوق"، لأنَّنا قاصرون لا نتمكن من الإحاطة بالله تعالى، فكانت هذه الأسماء والصفات للمخلوق كي يتمكن من الوصول إلى الله تعالى.

   قال (عليه السلام): "والله يُسمَّى بأسمائه وهو غيرُ أسمائه والأسماء غيرُه"، والمراد بالأسماء المعاني التي تدل عليها لا نفس الدوال والألفاظ، ولا يوجد من يقول بأنَّ الألفاظ نفسها هي الله تعالى، بل حتى الجمادات مثل الكتاب، لا يوجد من يقول بأنَّ الكتاب هو هذا اللفظ، فهو شيءٌ والدال عليه شيءٌّ آخر، فيدل اللفظ عليه بالمطابقة أو التضمن أو الالتزام.

 

   [١٦٥] الرواية الثالثة: وعن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن النَّضر بن سُويد، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في حديثٍ قال: لله تسعةٌ وتسعون اسمًا، فلو كان الاسم هو المسمى لكان لكلِّ اسمٍ منها إلهًا، ولكنَّ الله معنًى يُدَلُّ عليه بهذه الأسماء وهي غيرُه.

 

   الاسم هو الصفة، والمسمى هو الموصوف، فهل صفة القدرة مثلًا هي الله تعالى أم هي غيره.

   وهناك من وقع في هذه المسألة، فعَبَدَ القدرة أو غيرها من الصفات، كمن جمع الصفات وجعلها للنور وعَبَدَ النور، لذلك أراد الإمام (عليه السلام) أنْ يقول: أنَّه لو كانت هذه الصفات هي الله تعالى لكانت كلُّ صفةٍ إلهًا.

 

   [١٦٦] الرواية الرابعة: وعن محمَّد بن أبي عبد الله، رَفَعَهُ عن أبي هاشمٍ الجعفري، عن أبي جعفرٍ الثاني (عليه السلام)، في حديثٍ أنَّه سُئِل عن أسماء الله وصفاته؟ فقال: إنْ كُنتَ تقول: لم تزلْ في عِلْمِه وهو مُستَحِقُّها فنعم، وإنْ كُنتَ تقول: لم يزلْ تصويرها وهِجاؤُها وتقطيع حروفِها، فمعاذَ الله أنْ يكون معه شيءٌ غيرُه، بل كان الله ولا خَلْق، ثمَّ خَلَقَها وسيلةً بينه وبين خَلْقِه يتضرَّعون بها إليه ويَعْبُدُونه.

 

   قوله (عليه السلام): "لم تزلْ في عِلْمِه"، أيْ لم تزلْ هذه الصفات والأسماء في عِلْمِه تعالى، ولكنَّها لم تظهر، وهي تنطبق عليه من جهة الوصف، والذي يحتاجه هو الإنسان.

   قال (عليه السلام): "وإنْ كُنتَ تقول: لم يزلْ تصويرها وهِجاؤُها وتقطيع حروفِها"، أيْ هذه الألفاظ.

   ثمَّ قال (عليه السلام): "ثمَّ خَلَقَهَا وسيلةً بينه وبين خلقه ..."، أراد أنْ يبيَّن له أنَّ الإنسان لا يستطيع الوصول إليه تعالى إلا عن طريق هذه الصفات، ولولا وجود الإنسان لا نقول أنَّ هذه الصفات غيرُ موجودةٍ، لكنَّ هذه المظاهر لا تكون، لأنَّها ممَّا يحتاجه الإنسان، فالغاية من وجودها الخارجي تكون مُنتفيةٌ فتعود في عِلم الله تعالى، لا أنَّ المُحقِّق لها هي هذه الألفاظ.

 

استطرادٌ:

   ما معنى لا مشاحَّة في الألفاظ والمصطلحات؟

   معناه أنَّنا متفقون على المعنى ويكون الجدال في نفس اللفظ، فهذه العبارة صحيحةٌ إذا كنَّا متفقين في المعنى، أمَّا إذا لم نكن متفقين على المعنى فتكون المشاحَّة صحيحةً، وينبغي أنْ ننتبه إلى أنَّنا إذا طال نقاشنا فإنَّه لا ينبغي أنْ يكون في الألفاظ وإنَّما في المفاهيم المُختَلَف فيها، فلا نقول دائمًا: (لا مشاحَّة في الألفاظ).

   هذا اللفظ لا قيمة له لولا المعاني، فلو جئنا وجلسنا مع بعضنا واستطعنا أنْ نفهم بعضنا دون ألفاظٍ ومصطلحاتٍ، ثمَّ عبَّرتُ عمَّا فهمناه بلفظٍ، يكون تعبيري لغوًا لأنَّ المراد من اللفظ تَحقَّق، وهو إيصال المعنى.

   لماذا نهتَّم بالإعراب وبنْيَةِ الكلمة؟

   للوصول للمعنى لا أكثر، فهذه أدواتٌ نصل من خلالها لمراد المتكلم، وشرطه أنْ يكون المتكلم ملتزمًا بهذه القواعد التي تَفرِضُها.

 

تنبيهٌ:

   كلام الأئمة (صلوات الله عليهم) قد يكون في أعلى مستويات البلاغة أحيانا، وقد يكون أدون من ذلك أحيانًا أخرى، وهذا لا يقدح فيهم بشيءٍ، فإنَّ الكلام لا يكون دائمًا بأعلى مستويات البلاغة، ولا هو المطلوب، بل الكلام يكون بحسب ما يناسب المقام، وإلا فلا يُوجَد من هو أبلغ من أمير المؤمنين (عليه السلام) عندما يتحدث بهذا المستوى من البلاغة، وبالتالي لا يصح محاسبة كلامهم (عليهم السلام) وفق المستويات البلاغية العالية، لكنَّنا نقول أنَّهم لا يخرجون في ذات الوقت عن قواعد اللغة العربية فتنبه، وإنْ خرجوا قليلًا فلا بدَّ من وجود داعٍ دعاهم إلى ذلك، وبالتالي نعرف متى نُطبِّق القواعد اللغوية على كلامهم ومتى لا نُطبِّقها، ومن المؤسف أنَّ هناك من حكَّم اللغة على النصوص لدرجة رفض بعض النصوص الشريفة.

 

أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما يناسبها - باب ٢٨ - أنَّ معاني أسماء الله سبحانه لا تُشبِه شيئًا من معاني أسماء الخَلْق:

   [١٦٧] الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن المُختار بن محمَّد بن المُختار الهَمْدَاني، وعن محمَّد بن الحسن، عن عبد الله بن الحسن العلوي، جميعًا عن الفتح بن يزيد الجُرْجاني، عن أبي الحسن (عليه السلام)، في حديثٍ قال في صفة الله: لا يُشبِهُهُ شيءٌ ولا يُشبِه هو شيئًا، إلى أنْ قال: إنَّما التشبيه في المعاني، فأمَّا الأسماء فهي واحدةٌ وهي دالَّةٌ على المُسمَّى، وذلك أنَّ الإنسان وإنْ قِيلَ إنَّه واحدٌ، فإنَّه يُخْبَرُ أنَّه جُثَّةٌ واحدةٌ وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحدٍ، لأنَّ أعضاءه مُختلِفةٌ وألوانه مُختلِفةٌ، ومَنْ ألوانه مُختلِفةٌ غيرُ واحدٍ وهو أجزاءٌ مُجزًّى ليس بسواء، دمُه غيرُ لحمه، ولحمُه غيرُ دمه، وعَصَبُه غيرُ عروقه، وشَعرُه غيرُ بَشَرِه، وسوادُه غيرُ بَياضه، وكذلك سائر جميع الخَلْق، فالإنسان واحدٌ في الاسم ولا واحدٌ في المعنى، والله سبحانه هو واحدٌ ولا وَاحِدَ غيرُه، إلى أنْ قال: وإنَّما قُلنا اللطيف للخَلْقِ اللطيف، ولِعِلْمِه بالشيء اللطيف، أَوَلَا ترى إلى أثر صُنعِه في النبات اللطيف وغيرِ اللطيف، ومن الخَلْق اللطيف، ومن الحيوان الصغار، إلى أنْ قال: وإنَّ كلَّ صانع شيءٍ فمن شيءٍ صنع، والله الخالق اللطيف خَلَقَ وصَنَعَ لا من شيء.

 

   قال (عليه السلام): "لا يشبهه" والضمير عائدٌ على الله تعالى، ولم يقل (لا يشبهها).

   ومن هنا نعود لقصة تعليم آدم (عليه السلام) الأسماء، عَلَّمَ الله سبحانه آدمَ (عليه السلام) الأسماء، ثمَّ قال: {ثمَّ عَرَضَهُم}، ولا يمكن -أوَّلًا- أنْ يكون عَلَّمه الأسماء دون المُسمَّيات لأنَّ الأسماء لا اعتبار لها في نفسها، ثمَّ عَرَضَ على الملائكة المُسمَّيات، وطلب منهم أنْ يخبروه بالأسماء، وهذا يعني أنَّ الله تعالى أَحضَرَ هذه الذوات وعلَّم آدمَ (عليه السلام) أسماءها، ثمَّ جاء بها للملائكة وطلب منهم ما علَّمه آدمَ (عليه السلام)، فمعرفة الاسم معناه التصور، وهذا يعني عَلَّمَه بالأشياء ثمَّ عُلِّم ما يُعبِّر به عنها.

   قال (عليه السلام): "وذلك أنَّ الإنسان وإنْ قيلَ إنَّه واحد، فإنَّه يُخْبَرُ أنَّه جُثَّةٌ واحدةٌ وليس باثنين، والإنسان نفسه ليس بواحد"، فالعِبرة في المعنى لا في الاسم، ثمَّ ذكر المركَّبات التي يتركب منها الإنسان، ويريد أنْ يقول أنَّ الإنسان واحدٌ في الاسم، لكنَّه ليس بواحدٍ في المعنى، بخلاف الله تعالى.

   ثمَّ تحدث عن صفة اللطيف، وأراد أنْ يقول أنَّ ليس كلُّ واحدٍ من المخلوقات راجعًا لصفةٍ خاصةٍ من صفات الله سبحانه وتعالى، ولكنْ لأنَّ هذا المخلوق لطيفٌ نقول خَلَقَه اللطيف، ولأنَّ ذاك المخلوق مُعقَّدٌ مثلًا نقول خَلَقَه القادر، وهكذا.

 

   [١٦٨] الرواية الثانية: وعن عليِّ بن محمَّد، مُرسلًا عن الرضا (عليه السلام)، في حديثٍ قال في الفَرق بين أسماء الله وأسماء الخَلْق: إنَّ الله ألزمَ العباد أسماءً من أسمائه على اختلاف المعاني، وذلك كما يَجمَعُ الاسمُ الواحدُ معنيين مُختلِفين، إلى أنْ قال: فقد يُقال للرجل: كلبٌ وحمارٌ وثورٌ وسُكَّرَةٌ وعَلقمةٌ وأسدٌ، كلُّ ذلك على خلافه، وإنَّما سُمِّيَ الله بالعِلْم لغير عِلْمٍ حادثٍ، عَلِمَ به الأشياء كما أنَّا لو رأينا عُلماء الخَلْقِ إنَّما سُمُّوا بالعلم لِعِلْمٍ حادثٍ إذ كانوا فيه جَهَلَةً، وربَّما فَارَقَهُم العِلْمُ بالأشياء، فعادوا إلى الجهل، وإنَّما سُمِّيَ الله عالمًا لأنَّه لا يجهل شيئًا، فقد جَمَعَ الخالق والمخلوق اسم العالم واختلف المعنى.

   ثمَّ ذَكَرَ (عليه السلام) نحو ذلك في السميع، والبصير، والقائم، واللطيف، والخبير، والظاهر، والباطن، والقاهر، ثمَّ قال: فقد جَمَعَنَا الاسم واختلف المعنى، وهكذا جميع الأسماء وإنْ كنَّا لم نستجمعها كلَّها، فقد يُكتَفى بالاعتبار فيما ألقينا إليك.

 

   والكلام في هذه الرواية كما مرَّ في سابقتها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون