الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الخامس والسبعون
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد
السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم
محمود سهلان العكراوي:
المقال الخامس والسبعون:
أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما
يناسبها - ب٢٥ - أنَّ صفات الله الفعلية مُحدَثةٌ وأنَّها نفس الفعل:
تُصنَّف الصفات الإلهية إلى ذاتيةٍ وفعلية، وهو
سبحانه تعالى صفاته عين ذاته، وقد بيَّنا أنَّه لا معنى لتعدُّد الصفات كما هو
التعدُّد في عالمنا، وإنَّما هو الله سبحانه الواحد الأحد، وكلما نظرنا إليه ننظر
على اعتبار صفةٍ من الصفات؛ الصفة المناسبة للمقام، والمقام من شأن عالم الوجود،
وهذا العالم فيه مقاماتٌ تناسب كلَّ مقامٍ منها صفةٌ معينة، فنلاحظ أنَّه تعالى
عندما يذكر صفةً من صفاته في القرآن فإنَّها تكون مناسبةً للمقام، فلا يبدأ
بالبسملة في سورة براءة مثلا، ولولا الصفات الذاتية لما أَمكنَ الكلام في الصفات
الفعلية، والصفات الفعلية يُنظر إليها من مقام الفعل، وهذا لا يعني أنَّها حادثةٌ
كحدوث الإنسان، وإنَّما لا معنى للكلام عنها قبل الخلق، فهناك أمورٌ لا معنى
للكلام عنها، فلا يُسأل: هل هي موجودةٌ أم ليست موجودة؟
لو سأل سائلٌ عن إرادة الله قبل الخلق، فلا
يمكن الإجابة عليه بنفيٍ أو إثبات، فصفة الإرادة متعلقةٌ بوجود المراد، فالسؤال في
غير محلَّه، بخلاف لو سأل عن العلم، فنُثبته لأنَّ المسألة ذاتية.
]١٤٢[ الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد
بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري، عن الحسين بن سعيد الأهوازي، عن النَّضر
بن سُويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قلت: لم يزلِ
الله مُريدا؟ قال: إنَّ المُريدَ لا يكون إلا لمُرادٍ معه، لم يزلْ عالمًا قادرًا
ثمَّ أراد.
لم ينفِ الإمام (عليه السلام) الإرادة عنه
تعالى، لكنَّه نفى كونه مُريدا، لولا كونه عالمًا ولولا كونه قادرًا لما أراد،
فالصفات الفعلية من جهةٍ هي فرعٌ للصفات الذاتية.
فائدة:
في الصفات الشخصية وبناء الشخصية لا بدَّ أنْ
أُميِّزَ بين الأصيل وما يتفرَّع عليه، فأنا كطالب علمٍ مثلا، أبحث عن الصفات التي
ينبغي أنْ تكون فيَّ كي أسير في هذا الطريق، والدراسة فعل، فهذه راجعةٌ إلى ماذا؟ هي
في الواقع راجعةٌ للعزيمة، فلا بدَّ أنْ أكون صاحب عزيمة، ولا بدَّ أيضًا أنْ أكون
عارفًا بمقام طلب العلم وهكذا. الأمور التي يطالبنا بها المقام راجعةٌ لصفاتٍ
رئيسية، والرعاية لا بَّ أنْ تكون هناك لتلك الصفات الأصيلة أوَّلًا، وإلا لن أُنتج
وأتعرَّض للأذى وأُسبِّب الأذى للآخرين.
]١٤٣[ الرواية الثانية: وعن محمَّد بن أبي عبد
الله، عن محمَّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن عليِّ بن
أسباط، عن الحسن بن الجَهْم، عن بُكير بن أَعيَن، قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه
السلام): عِلْمُ الله ومشيَّته هما مُختلِفانِ أو متَّفِقان؟ فقال: العِلم ليس هو
المشيَّة، ألا ترى أنَّك تقول سأفعل كذا إنْ شاء الله، ولا تقول سأفعل كذا إنْ عَلِمَ
الله، فقولك إنْ شاء الله دليلٌ على أنَّه لم يشأ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء،
وعِلْمُ الله سابق المشيَّة.
كيف يشاء الله تعالى؟ إذا عَلِمَ الله شاء،
فلا مشيئة بلا علم، وهي متأخرةٌ عنه.
سأل السائل عن هذه المسألة لأنَّ الفواصل بين
هذه الأمور دقيقةٌ جدًّا، كما هو الحال بين صِفتي الإرادة والمشيئة مثلا.
]١٤٤[ الرواية الثالثة: وعن أحمد بن إدريس، عن محمَّد
بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه السلام): أخبرني عن
الإرادة مِنَ الله عزَّ وجلَّ ومِنَ الخَلق؟ قال: فقال: الإرادة من الخَلق الضميرُ
وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل، وأمَّا من الله فإرادته إحداثه لا غيرُ ذلك، لأنَّه
لا يُرَوِّي ولا يَهُمُّ ولا يَتفكَّر، وهذه الصفات منفيَّةٌ عنه وهي صفات الخلق،
فإرادة الله الفعل لا غيرُ ذلك، يقول له كُن فيكون بلا لفظٍ ولا نُطقٍ بلسانٍ ولا
هِمَّةٍ ولا تَفَكُّر، ولا كيف لذلك كما أنَّه لا كيف له.
سُئِلَ (عليه السلام) عن الفرق بين إرادة الله تعالى وإرادة الإنسان، فالإنسان يُريد والله تعالى يُريد، فأَوضَحَ الإمام (عليه السلام) الفرق بينهما، قال: "الإرادة من الخَلقِ الضميرُ وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل" فالإنسان يتصوَّر ثمَّ يفعل بناءً على هذا التصور، فتصور الشيء هو منشأ الإرادة، وفعل الشيء على وِفقِ ذلك التصور هو مظهر الإرادة وتحقُّقها، أمَّا الله تعالى "فإرادته إحداثه لا غير" فإنَّه لا يتصور ثمَّ يريد ويفعل، لا كالإنسان، وبما أنَّ إرادته إحداث الشيء فنحن إرادته والجبال إرادته وهكذا، وذلك لأنَّه تعالى "لا يُرَوِّي ولا يَهُمُّ ولا يَتَفَكَّر" وهذه الصفات منشأ الإرادة وهي "منفيةٌ عنه وهي صفات الخلق".
تعليقات
إرسال تعليق