الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال التاسع والسبعون
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد
السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم
محمود سهلان العكراوي:
المقال التاسع والسبعون:
[١٥٣] الرواية الرابعة: وعن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو،
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث الزنديق الذي سأله عن الله، له رضًا وسَخَط؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام): نعم، ولكنْ ليس على ما يوجد من المخلوقين، وذلك
أنَّ الرضا حالٌ تدخُل عليه فتنقله من حالٍ إلى حال؛ لأنَّ المخلوق أجوفُ معتمِلٌ
مركَّبٌ، للأشياء فيه مَدخلٌ، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، لأنَّه واحدٌ، أحديُّ
الذات وأحديُّ المعنى، فرِضاه ثوابُه وسَخَطُه عِقابُه من غير شيءٍ يتداخله فيُهيِّجُه
وينقله من حالٍ إلى حالٍ، لأنَّ ذلك من صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين.
"أقول: وتقدَّم ما يدل على ذلك ويأتي ما
يدل عليه والأحاديث والأدلة فيه كثيرة".
وقد استدل بعض علمائنا على نفي المُجرَّد سوى
الله بوجوهٍ، منها قوله تعالى: {ليسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ} [الشورى/ ١١] ولو وُجِد مجرَّدٌ
سوى الله لكان شبيهًا به ومِثلًا له، ولذلك قال بعض من قلَّد الفلاسفة في إثبات
المجرَّد بنوعٍ من التشبيه، وقد تواتر عن أهل البيت (عليهم السلام) نفي التشبيه.
ومنها قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ
كُلَّ شَيءٍ حيٍّ} [الأنبياء/ ٣٠] ومن قال بوجود المجردات من العقول ونحوها، قال
بحياتها.
ومنها ما دل من الأحاديث على أن الله ليس له
شبه ولا مثل في الوحدانية والفردية وعدم التجزي، وأنه لا واحد غيره، ومنها الحديث
الأخير المذكور هنا".
معتمل: أيْ تَعتَمِل فيه الأشياء، ويتأثَّر.
يقصد الشيخ الحرُّ بتقليد الفلاسفة قولهم أنَّ
العقل مجردٌ، فانتهوا إلى أنَّ في كلِّ إنسانٍ وجودٌ إلهيٌّ، وهو هذا العقل
المجرد، فشبَّهوه بالله سبحانه وتعالى، فوقعوا في المحذور الذي يحذِّر منه
المعصومون.
تنبيهٌ مهم:
من أسباب الفساد النفسي والفساد في المجتمع الذي
قد يقع من قِبَل طلبة العلم عدم أخذ كلِّ الحيثيات في الموضوع، كما لو نجح أحد
طلبة العلم في تجربةٍ ما، فلا بدَّ أنْ نأخذه كحيثيَّةٍ من حيثيات نجاح هذه
التجربة، فليس بالضرورة أنْ ينجحَ فيها غيره، هذا أولًا.
ثانيًا: ترون أنَّ بعض الفضلاء في الحوزة
يتحدثون عن طالبٍ يحضر بحث الخارج، ويكتب، ويُدرِّس، ودروسه متميَّزة، يقولون أنَّ
مقدماته ضعيفة. يحسن اختيار الطالب عندما تكون مقدماته قوية، وهذا لا يعني أنْ
يكونَ حافظًا للمتون، لكنَّ المراد هو فهم المسألة وإمكان بيانها وبيان الإشكالات
التي تَرِدُ عليها، وهو عزيزٌ جدًّا، فالمقدمات القوية تجعل الطالب ثقيلًا بعيدًا
عن الخِفَّة.
عندما نأتي لدراسة العقيدة، مع كون المقدمات
قويةً تضعف محاذير الانزلاق لكون الطالب فاهمًا، ولأين هو متَّجِهٌ.
هنا نقول: عندما نَدرُس الفلسفة وتكون مقدماتنا
قويةً لا نقع فيما وقع فيه هؤلاء الذين يشير إليهم الشيخ الحرُّ العاملي، فأغلب
هؤلاء ساروا في طريق الفلسفة والكلام وصاروا يقرأون الروايات بعيون الفلسفة
والكلام، والقرآن كذلك، بل وحياتهم يعيشونها برؤيةٍ فلسفيةٍ، وللتخلص من هذا لا بدَّ
أنْ يُمرحِل الطالب حياته، كأنْ يبدأ بتحديد مدةٍ معينةٍ لضبط المقدمات، مع وجود
المرشد، فإنَّ الانزلاق بعد مرور السنوات يكون الرجوع منه صعبًا جدًّا.
[١٥٤] الرواية الخامسة: ومنها ما رواه ابن بابويه في التوحيد، بسنده عن
أمير المؤمنين (عليه السلام)، في حديثٍ في صفة الله: داخلٌ في الأشياء لا كشيءٍ في
شيءٍ داخلٌ، وخارجٌ من الأشياء لا كشيءٍ من شيءٍ خارجٌ، سبحان مَن هو هكذا ولا
هكذا غيرُه، ولكلِّ شيءٍ مبتدأٌ.
لا يمكن أنْ تفهم قوله (عليه السلام): "داخلٌ
في الأشياء" ما لم ترَ هذا في الخارج، فهو مفهومٌ انتزاعيٌ على هذا، لكنْ
كيف "لا كشيءٍ في شيءٍ داخلٌ"؟ أيْ هو داخلٌ في الأشياء لكنْ ليس
كما تراه في الخارج، فهناك مفهومٌ آخر للدخول في الأشياء، لا المفهوم المُنتزَع من
الخارج، وهذا من فوائد التجريد في التفكُّر، ولا يهمُّ تسميته فلسفةً أو كلامًا أو
غير ذلك، فالقصد هو تجريد مفاهيمك من المُنتزَعات في هذه الدنيا، والرجوع بها
لأصلها.
في محاولاتنا لفهم وبيان الكثير من الأمور
نحتاج لإعطاء مفاتيح الفهم فقط، لأنَّ تمام البيان فيها يؤدي للفساد والباطل
والدخول في المحاذير، وهذا ممَّا وقع فيه الصوفية.
قال (عليه السلام): "ولكلِّ شيءٍ
مبتدأ"، ومبتدأ كلِّ شيءٍ هو مفهومه العِلمي، وذكرها هنا لأنَّ الدخول والخروج
مظهران لمعنًى عالٍ، لا أنَّ واقعه هذه الظرفية التي نفهما، فهنا احتواءٌ وإحاطةٌ
مختلفةٌ، فلكلِّ هذه المُنتزَعات مبتدأ، وهو المفهوم العلمي لها، وهذا ما سمَّاه
أفلاطون (عَالَم المُثُل)، فقال أنَّ كلَّ شيءٍ في هذا الوجود له مِثالٌ كاملٌ تامٌّ.
للأسف قد يأتي من يقول أنَّك متأثرٌ
بأفلاطون، وفي الواقع لا داعي لهذا أبدًا، فلو افترضنا أنَّ كلَّ كلامه غيرُ صحيحٍ
لكنَّه أصاب هنا، فما المانع أنْ نقول بصحَّة ما قال؟ والحال أنَّنا نتوافق حتى مع
الهندوس والبوذيين وغيرهم في بعض ما يقولون، ولا إشكال في هذا، بل هو تشابهٌ طبيعيٌّ
جدًّا بين البشر، والفرق أنَّنا طلبنا الفِطرة ودلَّنا الرسول (صلَّى الله عليه
وآله) على الطريق دُونَهم.
"وعلى قولِ مَن أثبت العقول المجردة لا
يختصُّ هذا الوصف بالله بل يشاركه فيه العقول، وأيضًا ليس لها ابتداءٌ عند
القائلين بوجودها".
بالإضافة إلى الفلاسفة وغيرهم تميَّز
الإسماعيلية من طوائف المسلمين بمسألة العقول المجردة، وهم أوَّل من تحدَّث عن
العقول العشرة والأفلاك، ومجرد وجودها عندهم لا يجعلنا نحكم بخطئها مباشرةً، وهذا
ما نريد أنْ ننبِّه عليه، فقد أعمَلوا فِكرَهم ووصلوا لهذه النتيجة، وإنْ كان مخالِفًا
لروايات أهل البيت (عليهم السلام) فهو باطلٌ قطعًا، وإنْ لم يكن مخالفًا فنتعاطى
معه بكلِّ أريحية.
والجواب على كلام الشيخ الحرِّ العاملي هو:
أنَّ الاشتراك في التجرد لا يقتضي الوِحدة والتشابه، وذلك لأنَّني أذهب إلى
الاشتراك اللفظي في الوجود لا الاشتراك المعنوي، فلو أثبتنا وجود العقول المجردة فهذا
ليس من سنخ وجود الواجب سبحانه وتعالى.
[١٥٥] الرواية السادسة: ومنها ما رواه فيه بسنده عن أبي عبد الله (عليه
السلام)، في حديثٍ قال: ما من شيءٍ إلا يَبيدُ أو يتغيَّر أو ينتقِل من لونٍ إلى
لونٍ أو من صفةٍ إلى صفةٍ أو من زيادةٍ إلى نقصانٍ ومن نقصانٍ إلى زيادةٍ، إلا
اللهَ ربَّ العالمين.
"والقائلون بالعقول المجردة، لا يجوزون
عليها التغيير".
فكلُّ شيءٍ تطرأ عليه هذه العوارض المذكورة
في الرواية إلا الله سبحانه وتعالى، ويذكر الإمام (عليه السلام) مِثل هذا الكلام
ليرشدنا لأنْ لا نقيسَ الخالق تعالى على المخلوقين، ولا أنْ نفهمه من خلال هذه
الدنيا، بل يُفهَم تعالى من خلال التنزيه عن ملابسات هذه الدنيا، بل هو المقابل
المُطلَق لكلِّ شيءٍ غيره.
[156] الرواية السابعة: ومنها ما دلَّ من الآية والأحاديث أنَّ الله مُختصٌّ
بالأسماء الحسنى لا تصدق على غيره، ومن قال بالعقول المجردة يلزمه أنْ تصدُقَ
الأسماء الحسنى عليها، بل هي أولى منه لأنَّه على قولهم لم يصدر عنه إلا فعلٌ واحدٌ
وهو العقل الأول. [هذه ليست برواية، وقد نقلتُ النصَّ كما هو من الكتاب،
ويأتي مِثلها].
وهذه مقولة الإسماعيلية.
تعليقات
إرسال تعليق