الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثامن والسبعون
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد
السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم
محمود سهلان العكراوي:
المقال الثامن والسبعون:
[١٤٨] الرواية السابعة: وفي التوحيد، عن محمَّد بن الحسن بن الوليد، عن
الصفَّار، عن محمَّد بن عيسى اليَقْطِيني، عن سليمان بن جعفرٍ الجعفري، قال: قال
الرضا (عليه السلام): المشيَّة من صفات الأفعال، فمن زَعَمَ أنَّ الله لم يزلْ مُريدًا
شائيًا فليس بمُوحِّد.
صفات الأفعال تَظهر في الفعل، فلا معنى لها
ما لم يكن لها متعلَّق؛ أيْ لا موضوعية لها ما لم يكن الموضوع موجودًا، فإرادة
الله تتعلَّق بأمرٍ خارجي، فما لم يوجد هذا الموجود الخارجي ينتفي الموضوع من أصل،
فلا تُوصَف هذه الصفات بالقِدَم.
عندما نقول: الله رازقٌ قبل المرزوق وعالمٌ
قبل المعلوم وسامعٌ قبل المسموع، كما مرَّ في بعض الروايات، فما الفرق بينها -أيْ هذه
الصفات- وبين الإرادة والمشيئة؟ فإنَّنا لا نقول: الله مُريدٌ قبل أنْ تتعلَّق
إرادته بموجودٍ خارجي، وكذا المشيئة؟ الإرادة والمشيئة في العلم، فتحتاج لتعلُّق
العلم بالموجود الخارجي حتى تُوجَد فيه، وتحتاج إلى تعلُّق الرازقية بأمرٍ خارجيٍّ
حتى تُوجَد فيه، وتحتاج إلى أنْ تتعلَّق هذه الصفات من الله تعالى بأمرٍ خارجيٍّ
فتُوجَد الإرادة والمشيئة فيها، فالإرادة والمشيئة ناتج طرفين، فلا ينتفي العِلم
عن الله تعالى مع عدم وجود المعلوم في الخارج، لكنَّ الإرادة والمشيئة تنتفيان لأنَّهما
لا تتعلَّقان بوجود العلم، وإنَّما بوجود الطرفين، العالم والمعلوم، والسامع
والمسموع، وهكذا، فإذا تحقَّق الطرفان تأتي الإرادة والمشيئة، فظرف الإرادة
والمشيئة هما الطرفان (العالم والمعلوم).
[١٤٩] الرواية الثامنة: وفي عيون الأخبار عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن
أبيه، عن محمَّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، قال: قلتُ لأبي الحسن (عليه
السلام): أخبرني عن الإرادة من الله أو من المخلوقين؟ فقال: الإرادة من المخلوقين
الضَّميرُ له وما يبدو له بعد ذلك من الفعل، وأمَّا من الله عزَّ وجلَّ فإرادته إِحداثه
لا غيرُ ذلك، لأنَّه لا يُروِّي ولا يَهُمُّ ولا يَتَفَكَّر، وهذه الصفات منتفيةٌ
عنه وهي من صفات الخلق، فإرادة الله الفعل لا غيرُ ذلك ... الحديث.
مسألةٌ في ثبوت الكُتب:
ثبوت نسبة الكتب لأصحابها أو عدم ثبوتها لا
ينتهي عندها التحقيق في الرواية، فلو لم تثبتْ نسبة أحد الكتب لصاحبه، وليكنْ كتاب
عيون الأخبار، فآتي لروايةٍ وردت فيه، وأتعامل معها على مراحل كما يلي:
١/ أنظر إنْ كانت وردتْ مضامينها في الكتب
الأصول أو لا.
٢/ أنظر في المجاميع الحديثية للمتأخرين إنْ
نقلتها أو لا.
٣/ أنظر في موقف العلماء من مضامينها، لا من
نفس الرواية.
٤/ أنظر إنْ كانت موافقةً للقرآن والسُنَّة
المُحكَمة أو لا.
وذلك لأنَّ تعاملي ليس مع الكتاب ككتاب، ولكنْ
مع الروايات الواردة في هذا الكتاب، وهذه المسألة في غاية الأهمية في التعامل مع
الكتب التي لم تثبتْ نسبتها لأصحابها، والتصريح بعدم ثبوت بعض الكتب يصنع حواجز
بين عامَّة الناس والكتاب، وكذا بين طلبة العلم والكتاب.
ينبغي أنْ نلاحظ عناوين الكتب لأنَّها محلُّ
عنايةٍ من المؤلفين عادةً، مثلًا هذا الكتاب عنوانه (عيون أخبار الرضا)، فيفيد أنَّ
من جمع الأخبار اعتنى باختيارها.
تأتي الإشارة هنا في هذه الرواية للكلام الذي
سبق منَّا في الرواية السادسة في قوله (عليه السلام): "لا يُروِّي ولا يَهُمُّ
ولا يَتفكَّر وهذه الصفات مُنتفيةٌ عنه" في حديثه عن الله تعالى. فإرادته
إحداثه، فيأتي الإشكال هل أنَّه لم يكن مُريدًا ثمَّ أراد، نقول لا فالإرادة تحتاج
إلى شيءٍ تتعلَّق به، لا أنَّه لم يكن مريدًا.
أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما
يناسبها - باب ٢٦ - أنَّ الله سبحانه لا يتغير له ذاتٌ ولا صفةٌ ذاتيةٌ وأنَّه لا
مجرَّد غيره:
[١٥٠] الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن أحمد بن إدريس، عن محمَّد بن
عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن فُضيل بن عثمان، عن ابن أبي يَعفور، قال: سألت
أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله: {هُوَ الأَوَّلُ والآخِرُ} [الحديد/ ٣]
فقلت: أمَّا الأوَّل فقد عرفناه، وأمَّا الآخِر فبيِّن لنا تفسيره، فقال: إنَّه
ليس شيءٌ إلا يَبيد أو يتغيَّر ويدخُلُه التغيير والزوال والانتقال من لونٍ إلى
لون، ومن هيئةٍ إلى هيئة، ومن صفةٍ إلى صفة، ومن زيادةٍ إلى نقصان، ومن نقصانٍ إلى
زيادة، إلا ربَّ العالمين فإنَّه لم يزلْ ولا يزال بحالةٍ واحدة، وهو الأوَّل قبل
كل شيءٍ والآخِر بعد كل شيءٍ، عَلَى ما لم يزل، لا تختلف عليه الصفات والأسماء ...
الحديث.
قاعدة:
ليس شيءٌ إلا يبيد أو يتغيَّر ويدخُلُه
التغيير إلَّا الله.
سبب الفناء هو الحُدوث، كما نفهم من القاعدة
التي مرَّت في الرواية.
الأوَّل والآخِر لا واقعية لهما بلا خَلْق،
فهما من الأمور الانتزاعية، والانتزاع من شأن الإنسان، فهو يرى الله بالنسبة له
الأوَّل، وبالنسبة إلى كل شيءٍ الآخِر، والانتزاع راجعٌ في وصفه لصِفتين متضادتين،
كقولنا الشيء فوقٌ لما تحته، وتحتٌ لما فوقه، وكذا الداخل والخارج، والعِلَّة
والمعلول.
[١٥١] الرواية الثانية: وبالإسناد عن صفوان بن يحيى، عن الرضا (عليه
السلام) في حديثٍ قال: كيف تجترئ أنْ تصفَ ربَّك بالتغيُّر من حالٍ إلى حالٍ وأنَّه
يجري عليه ما يجري على المخلوقين؟ سبحانه لم يزلْ مع الزائلين، ولم يتغيَّر مع
المتغيِّرين، ولم يتبدَّل مع المتبدِّلين.
مرَّ بيانه في رواياتٍ سابقة.
[١٥٢] الرواية الثالثة: وعن عدَّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمَّد البرقي،
عن محمَّد بن عيسى، عن المشرقي حمزة بن المُرتَفِع، عن بعض أصحابنا، قال: كنتُ في
مجلس أبي جعفرٍ (عليه السلام) إذ دخلَ عليه عمرُو بن عُبيد فقال له: جعلتُ فداك،
قولُ الله {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيهِ غَضَبِي فَقَد هَوَى} [طه/ ٨١] ما ذلك الغضب؟
فقال أبو جعفرٍ (عليه السلام): هو العقاب يا عمرُو، إنَّه مَن زَعَمَ أنَّ الله قد
زالَ من شيءٍ إلى شيءٍ فَقَد وَصَفَه بصفةِ مخلوق، وإنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يستفزُّه
شيءٌ فيغيِّره.
عمرُو بن عبيد: كذَّابٌ منافق. وقد جاء
بالآية لا بحثًا عن الجواب، بل ليجرَّ الإمام (عليه السلام) لأمورٍ أخرى، لكنَّه
لم يُفلِح.
في هذه المسألة إشكالٌ بديهيٌّ جدًّا، وهو في حال فَعلَ فردٌ فعلًا يرضي الله وآخر فعلًا يُغضِبه في آنٍ واحد، فإمَّا أنْ يكون الله تعالى راضيًا أو غاضبًا، فلا يمكن أنْ يكون راضيًا وغاضبًا في نفس الوقت، وفي عِدَّة دروسٍ في العقيدة كنَّا نُقدِّم بمفاد كلام الإمام في هذه الرواية.
تعليقات
إرسال تعليق