في بعض أحكام الرياء

 

   

   من طبع النفس أنْ يداخلها نوعٌ من الغِبطة والسرور حين تتعرض للشُكر والمدح من الآخرين، وهذا ما لا يحكم الشارع المقدس بحرمته أو كراهته ما لم تتدخل عناوين أخرى، فلو قام المؤمن بعملٍ صالحٍ كالصلاة أو الصدقة أو غيرهما دون قصد إراءة الآخرين ودون السعي في تحصيل الشكر والإطراء منهم فلا إشكال في فعله، وإنْ أفرحه وأسرَّه المدح والشكر، بخلاف ما لو شابَ نيته الرياء، ويمكن أن نستفيد هذا من الروايات الشريفة. أمَّا عدم الكراهة في سرور الإنسان باطِّلاع غيره على عمله دون قصدٍ منه، فقد استدلَّ له في الوسائل بالروايتين التاليتين:

   الأولى: عن زرارة، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام)، قال: سألته عن الرجلِ يعمل الشيء من الخير فيراه إنسانٌ فيسرُّه ذلك؟ قال: لا بأس، ما من أحدٍ إلا وهو يُحبُّ أنْ يظهر له في الناس الخير، إذا لم يكنْ صَنَعَ ذلك لذلك. [الوسائل، أبواب مقدمة العبادات، ب١٥، ح١].

   الثانية: عن عبد الله بن الصامت، قال: قال أبو ذرٍّ رحمه الله: قلت: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل لنفسه ويحبُّه الناس؟ قال (صلَّى الله عليه وآله): تلك عاجلُ بُشرى المؤمن. [الوسائل، أبواب مقدمة العبادات، ب١٥، ح٢].

   ونجد أنَّ الرواية الأولى تؤكِّد أنَّه لا إشكال فيما داخله من السرور ما دام لم يعمل ذلك العمل لأجل أنْ يراه الناس، بخلاف ما لو أراد بعمله أنْ يراه الناس على ذلك، فتنبَّه.

   كما أنَّه يُكره للإنسان ذِكر عبادته عند غيره، وجاء فيه:

   عن جميل بن دَرَّاج، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزَّ وجل: {فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم/ ٣٢]، قال: قول الإنسان: صلَّيتُ البارحة، وصُمتُ أمس، ونحو هذا ... الحديث. [الوسائل، أبواب مقدمة العبادات، ب١٤، ح١].

   أمَّا لو شابَ نيَّة الرجل شيءٌ فمن المعلوم للقارئ الكريم حرمة الرياء، وبطلان الأعمال العبادية التي يُوقِعها العبد رياء، وينبغي الالتفات إلى أنَّ الفارق بين الإخلاص والرياء خيطٌ دقيق، فعلى المؤمنين الحذر من الوقوع في هذا المُنزلق، فإنَّ المرائي يخسر أعماله، ويعيش حالةً من الشِّرك والعياذ بالله، وقد دلَّت الروايات على هذين الحكمين، وقد بلغت حدًّا لا يُستهان به من الكثرة، نذكر منها:

   الأولى: عن داود، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: من أَظهَرَ للناس ما يُحبُّ الله عزَّ وجل، وبارزَ الله بما كرهه، لقي الله وهو ماقتٌ له. [الوسائل، أبواب مقدمة العبادات، ب١١، ح٣].

   الثانية: عن السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): سيأتي على الناس زمانٌ تخبُث فيه سرائرهم، وتحسُن فيه علانيتهم طمعًا في الدنيا، لا يريدون به ما عند ربِّهم، يكون دينهم رياء، لا يُخالطهم خوف، يعمُّهم الله بعقابٍ فيدعونه دعاء الغريق فلا يستجيب لهم. [الوسائل، أبواب مقدمة العبادات، ب١١، ح٤].

   الثالثة: عن عليِّ بن عقبة، عن أبيه، قال: سمعتُ أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: اجعلوا أمرَكم هذا لله، ولا تجعلوه للناس، فإنَّه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله. [الوسائل، أبواب مقدمة العبادات، ب١٢، ح٥].

 

محمود سهلان العكراوي

العكر الشرقي – البحرين

الأربعاء ٢٤ ذو الحجة ١٤٤٢هـ

الموافق ٤ أغسطس ٢٠٢١م


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون