الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السابع والسبعون
تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد
السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم
محمود سهلان العكراوي:
المقال السابع والسبعون:
[١٤٧] الرواية السادسة: محمَّد بن عليِّ بن الحسين في الأمالي والتوحيد، عن
القطَّان، عن السُّكَّري، عن الجوهري، عن محمَّد بن عمارة، عن أبيه، قال: سألتُ
الصادقَ جعفرَ بن محمَّدٍ (عليه السلام) فقُلتُ له: يا ابن رسول الله (صلَّى الله
عليه وآله) أخبرني عن الله، له رضًا وسَخَط؟ فقال: نعم، ولكنْ ليس على ما يُوجَد
في المخلوقين، ولكنَّ غَضَبَ الله عِقابه، ورِضاه ثوابه.
أيْ أنَّه لا يغضب ثمَّ يُعاقِب، فغضبه هو
عقابه، وعندما نتحدث عن المعاني فلا وَعْيَ لنا بها إلا بفعلها، أيْ أنَّ تعلُّقَنا
بالإثبات، هذا بالنسبة للإنسان.
الرضا والسَخَط نتيجته العقاب والثواب
بالنسبة للمخلوقين؛ أيْ لا كلَّما رَضيتُ أَثَبْتُ ولا كلَّما سَخطتُ عاقبت، ولكنْ
كيف هو الأمر بالنسبة لله تعالى إذ أنَّه يرضى ويسخط كما في النصوص؟
الرضا والسَخَط منه تعالى صُغرَى إلى كُبرى
مرَّ الحديث عنها سابقًا، ونستعرضها فيما يأتي أيضًا.
تنبيهٌ:
هناك أمورٌ نذكرها في الدرس لم تُذكرْ في كُتُبِ
علم الكلام والعلوم العقلية، وتوجد نتائج لم يتوصَّل لها من سَبَقَنا ونقول أنَّنا
توصَّلنا إليها، فإذا كان الطالب يستوحشها فإنَّها تزول من ذهنه سريعًا، فلا بدَّ له
من التخلُّص من هذا الاستيحاش، فإنْ كان الرأي يُناقَش ويُردُّ عليه فيجب مناقشته
وردُّه، وإذا كان لا يُردُّ عليه فليس من الصحيح رفضه لأنَّهم لم يتطرَّقوا له في
الكتب.
واجهتنا مشكلةٌ في أفعال الله تعالى، فنحن
الآن نَدرُس وهناك كلمةٌ ستُقال بعد ثوانٍ، وكلمةٌ بعد دقيقةٍ، وأخرى بعد عشر
دقائق، ونحن ننتظر هذا الوقت لينقضي لنقف على ما يحدث فيه، ولكنْ كيف هو ربُّ
العالمين بالنسبة لهذه الأفعال المحكومة بالزمان والمكان؟ هل ينتظر مثلنا أم لا؟
وبطبيعة الحال هو لا ينتظر، إذًا كيف نفهم هذه الحالة؟
نُجيب أولًا عن النصِّ الوارد في الرواية
الشريفة فنقول: هذا أمرٌ موجودٌ يُغضِب الله تعالى، وليَكُن قتل النفس المحترمة
مثلًا، ولكنَّه لم يقعْ بعد، فإذا ارتكبه زيدٌ عُوقِب، والعقاب مَظهرٌ لغضب الله
تعالى المتحقِّق بالارتكاب، فالعقاب يكون في نفس الوقت، والله سبحانه وتعالى لا
ينفعل بفعل فلانٍ، فعندما نقول هذا الفعل اهتزَّ له عرش الله تعالى، فلا يعني هذا
أنَّ العرش لم يكنْ يهتزُّ ثمَّ اهتزَّ، وإنَّما اهتزاز العرش واضطرابه هو نفس هذا
الفعل، فنفس هذا الفعل يستبطن أمورًا تكوينيةً لا يمكن أنْ تتخلَّف عنه، ولو جاء
فردٌ لقتل فردٍ مستحقٌ للقتل في حالةٍ أخرى، فهنا أمران: القتل يُغضِب الله تعالى،
والأمر الآخر أنَّ الفرد مستحقٌ للقتل، فهذه عناوين تدخل في نفس الفعل، وهذه
العناوين لها مَظهرٌ راجعٌ لله سبحانه وتعالى؛ أيْ أنَّ فعله تعالى موجودٌ منذ
الأزل، ويُظهِره ارتكاب الخَلْقِ له، أيْ أنَّه لا يَحدُث، فهو سبحانه وتعالى لا
ينفعل بأفعال الإنسان، فغضبه موجودٌ ورضاه موجودٌ لكنْ متى يكون له تحقُّقٌ
وفعلية؟ يكون ذلك عندما يُرتَكب ما يستوجبها، فنفس المثوبة تظهر إذا كانت علَّتها
التامة موجودةً، بخلاف ما لو كانت مشوَّشةً بأمورٍ أخرى، فتتأثَّر المسألة بهذا
القَدَر.
جاء من أَشْكَلَ فقال إنَّكم تقولون أنَّ
الله تعالى -بناءً على ما مرَّ- يعلم بالكلِّيات ولا يعلم بالجزئيات، وهذا الكلام
باطلٌ، لأنَّه غيرُ موجودٍ في علم الله من أصلٍ، لأنَّه من حاجات الفقير لا الغني
المطلق، فهذه التفصيلات لا تجري في حقِّ الله، فهو عِلمٌ واحدٌ لا نتمكَّن من
تصوره لحاجتنا للفرز والتفصيل في عِلمنا.
بيان كُبرَى القياس:
في القضاء والقَدَرِ نُهينا عن الكلام، لأنَّه
ظلماتٌ وغير ذلك من التوصيفات الواردة في الروايات، وهو فعلًا كذلك، فلا يمكن أنْ
نُحيط به، أمَّا معنى القضاء والقدر فهو أمرٌ آخر نحتاج لفهمه، فإذا خطوتُ خطوةً
فهو قَدَرٌ وقضاؤه تحقُّق الانتقال، وعندما أَقولُ كلمةً فهو تقديرٌ ومعه قضاءٌ
لازمٌ لا يتخلَّف عنه، وإذا تحرَّكتِ الشمس من نقطةٍ لأخرى فانتهاؤها لتلك النقطة
قضاءٌ، وهكذا، لذلك لا نتعجَّب عندما تُقضى حوائج بعض عَبَدَة الأصنام والمشركين،
كمن يتمسَّح ببوذا أو غيره وهو معتقدٌ بقضاء حاجته ويدعو عِندَه فتُقضَى حاجته،
وكذا لا نتعجَّب من قضاء أو عدم قضاء حاجة المؤمن إذا دعا ربَّه، وإنْ كان تحت
قُبَّة الإمام الحسين (عليه السلام)، فالدعاء تحت قُبِّته (عليه السلام)، والكون
على طهارةٍ، وغير ذلك من أمورٍ كلُّها مُقتَضيات، وليستْ علةً تامةً للاستجابة،
كما هو الحال في غير المقام، لذلك لو وُجِدت بعض الموانع فلا تُقضَى الحاجة، ولكنْ
إذا تمَّت المُقتَضيات وزالت الموانع فإنَّ الحوائج تُقضَى، فنحن نحيا في هذه
الدنيا وُفْق قوانينها، فلاحظ.
الحياة الدنيا عبارةٌ عن قوانين ثابتةٍ،
فمهما فعلنا وعبثنا فإنَّنا نكون داخل هذه القوانين ولا نخرج عنها، وهذه القوانين
هي تقديرات الله تعالى وقضاءاته، فلو أَمسكتُ شيئًا وقُلتُ سأُمسِكه ولن يكون مَمْسوكًا
به، فنقول هذا مستحيلٌ، لأنَّ القانون التكويني يقول أنَّك إذا أَغلقتَ كفَّك على
شيءٍ فالنتيجة أنْ تكون مُمسكًا به، وهذا ما نقصده بالتقديرات والقضاءات، وهذه هي
الكبرى التي يُقاس عليها، ورضاه وغضبه تعالى من صُغرَيات هذه الكُبرَى، فلو صلَّى
إنسانٌ طاعةً لله تعالى فهو تقديرٌ وقضاؤه الرحمة ورضا الله تعالى، ولا يمكن أنْ
يكون إلا هكذا، وعلى خلافه المعصية فقضاؤها السَخَط والغَضَب والعقاب.
تعليقات
إرسال تعليق