الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الخامس والثلاثون


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الخامس والثلاثون:

 

الكلام في سند الرواية التاسعة التي مرَّ الكلام فيها: وهي من كتاب التوحيد للشيخ الصدوق كالتالي: أخبرني أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهَمَدان سنة أربعٍ وخمسين وثلاثمائة، قال: حدَّثنا محمَّد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظًا في كتابه سنة خمسٍ وثلاثمائة، قال: حدَّثنا عبد الله بن محمَّد البلوي، قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدَّثني عبد الله بن العلاء، قال: حدَّثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمَّد بن صعصعة بن صوحان، قال: حدَّثني أبي عن أبي المعتمر مسلم بن أوس، قال: حضرت مجلس عليٍّ (عليه السلام) في جامع الكوفة فقام إليه رجلٌ مصفَّر اللون ... الحديث. ]الصدوق - التوحيد - باب التوحيد ونفي التشبيه - ح٣٤[.

 

يتميَّز الشيخ الصدوق (رحمه الله) بذكر طرق تحمُّل ونقل الرواية، وهذه الرواية محل الكلام واضحةٌ في ذلك.

بدايةً نسلِّم بكون الرواة مجاهيل وكذَّابين ووضَّاعين وما إلى ذلك، لكن الذي روى عنهم هم الصدوق والكليني والشيخ (رضوان الله عليهم)، فلا بد أن ننظر في رواياتهم.

وُصِف البلوي مثلًا بأنه كذابٌ فهذا يعني أنه معروفٌ بالكذب، وعندما نرجع لكتب الحديث نرى أن رواياته قليلةٌ وكذا باقي رجال السند، فنحتمل احتمالًا أولًا -ولا أقول نقطع، فطريقة طالب العلم والباحث هي جمع القرائن إذا لم يكن الدليل واضحًا وصريحًا- أن الروايات قد صُفِّيت من المكذوب والموضوع، فوظيفتنا جمع القرائن، والاحتمال الأقرب أن علماءنا رووا عن هؤلاء بعد الاستيثاق من المتن، والمتن هو القرينة الأولى في المقام، ولا يصح رفض الخبر مباشرةً لأن الراوي كذاب.

القرينة الثانية: ما رُوي عنهم: وأكثر روايات هؤلاء كانت في فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، فننظر بالتالي في سبب قولهم بأنه وضَّاعٌ أو كذَّاب، فغالبًا تجد المتهم بالكذب ممَّن يروي فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومقاماتهم، خصوصًا في كتاب الشيخ النجاشي، فيخلق عندك هذا احتمالًا معينًا تدونه وتضيفه لباقي الاحتمالات، بخلاف ما لو كانت المخالفات المنقولة عنهم هي عقائدية أو شرعية.

إن اشتهار الراوي بالكذب ووصول رواياتٍ قليلةٍ عنه أمارةٌ على تمحيص الأصحاب للروايات كما أشرنا. وندَّعي أن كل الروايات المنقولة عن رجال هذا السند ليست رواياتٍ منكرة.

 

ملاحظة:

نحتاج لملاحظة وصف أي رجلٍ بالكذب والوضع والضعف وغير ذلك، فإن كان من رجلٍ واحدٍ فهو خبر واحدٍ وإن نقله عنه باقي العلماء، فلن يُخرجه ذلك من كونه خبر واحدٍ إلى خبرٍ متواتر.

 

أما قول البلوي في عمارة بن زيد، فنستقرب أنه كان في مقام الاستهزاء عندما قال: نزل عليَّ من السماء، فكيف يكون نازلًا من السماء ويحتاج لنقل الرواية عن رجلٍ آخر مذكور في السند ليسندها؟ فنستبعد أن يصدر منه مثل هذا الفعل إلا أن يكون غير راجح العقل، والحال أنه صاحب كتب، واهتم به الرجال.

أما الفضل بن الفضل بن العباس الكندي: فقد التقاه الشيخ في همدان فيبعد أن يكون مجهولًا ويأتيه مثل الشيخ الصدوق ليطلب الإجازة، فالمفترض أنه أجاز الشيخ الصدوق بطلبٍ من الشيخ الصدوق، وإن كان يحصل أن يبادر المُجيز بالإجازة لكنه على خلاف المعتاد، وهذا مما يعتبر قرينةً على تقوية الرجل لاستجازة مثل الشيخ الصدوق منه.

 

توضيح:

من أقوى القرائن عند النظر في المتن وجود وِحدة الموضوع بين الرواية محل النظر وباقي الروايات الأخرى، أما السند فهو من أهم ما يُنظر فيه، لأنه يفسِّر لي معنى الرواية من خلال معرفتي برجاله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون