الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السادس والثلاثون


تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال السادس والثلاثون:

 

ما يزال الكلام حول سند الرواية التي تعرَّضنا لها في الدرس الماضي:

 

نؤكِّد أن قولنا بأن البلوي كان مستهزئ هو احتمالٌ قلنا به لبعض القرائن كإسناده الرواية لعمارة بن زيد عمَّن رواه، ولو كان عمارة من السماء لما احتاج لأن يسند الرواية لرجلٍ آخر من أهل الأرض، فنجمع بين إسناده إليه وجوابه هذا على من سأله عن عمارة فنحتمل بعض الاحتمالات منها أنه كان يستهزئ بمن سأله، فنحن لا ندَّعي هذا القول لكننا نحتمله.

بعد أن وجدنا الذمَّ والقدح في الرواة رجعنا إلى أحاديثهم المرويَّة في كتبنا، فوجدنا أنها ذات طابعٍ غالب، وهو الجانب العقائدي وما يلحق به من ذكر كرامات أهل البيت أو أمورٍ خاصةٍ بهم (عليهم السلام)، فنأخذها ونجعلها كمعطى لا أن نحسم بها الأمر، نعود مرةً أخرى لتوثيقات وتضعيفات الشيخين النجاشي والطوسي، هل لها تميُّز معيَّن؟ فإنه لا يصحُّ أن لا نقرأ كتبهما. ونستحضر هنا كلمةً للسيد محمد باقر الصدر (رحمه الله)، وهي أن الطعن في الرجل يترك شيئًا في النفس، لا من جهة علميَّة، لكن تبقى هناك شائبة في نفس الباحث بمجرد أن يمرَّ اسمه. فعندما يأتي النجاشي ليتحدَّث في مثل هؤلاء، فإنه لا يكتفي بالتضعيف، بل يصفهم بأوصافٍ كثيرةٍ قادحةٍ فيهم، فلا يصحُّ أن أتجاوزه فهو خلاف العلمية، وهكذا الحال مع كلِّ عالمٍ له تأثيره في البحث العلمي، ولا ينبغي الاستهزاء والسخرية من الآراء المطروحة.

 

تنبيه:

لا يصحُّ التعامل مع الروايات بطريقة الاستهزاء، حتى إن وجدنا فيها ما لا يمكننا أن نقبله، وذلك لأننا نؤثر على باقي الروايات التي قد يكون فيها بعض الأمور الغريبة أو التي لا نتمكَّن من فهم مضمونها، فطريقة الاستهزاء هذه تؤسس للاستهزاء بمثل هذه الروايات وضربها.

 

الآن نبحث عن وجود رواياتٍ لهؤلاء في كتبنا أو لا، فيأتي أحد المعلِّقين على هذه الرواية ويقول: هؤلاء الرواة من المجاهيل لكنَّ المتن موافقٌ لرواياتنا.

وبعد ذلك نسأل: مع كون هؤلاء الرواة على هذه الحالة من الكذب والوضع والمجهولية، كيف روى عنهم علماؤنا؟

نقول أولًا: لأن المتن قرينةٌ يعتمدونها، وثانيًا: الميزان الذي وضعه أهل البيت (عليهم السلام) هو العرض على الكتاب والسنة المحكمة. فالنظر في السند كميزانٍ أولٍ فيه تكلُّف، فاحتجنا لمقبولة عمر بن حنظلة، وحديث أمير المؤمنين (عليه السلام) في الإسناد. أما مقبولة عمر بن حنظلة فتحتاج إلى ناقلٍ من باب القضاء إلى ما نحن فيه، وهذا النقل صار فيه زيادة فهذا تكلُّف.

ولنفترض الآن أن هناك راوٍ جلس في مجلس المعصوم وكتب ما قاله، ونُقل الحديث حتى بلغنا عن طريقٍ كله ثقات، وكان الحديث فيه بعض الأمور الغريبة، ماذا نفعل؟ لا نفهم الرواية، ولا يحقُّ لي رفضها، فأتركها على جانبٍ ما دامت خاليةً من المخالفات الشرعية وما شابه.

 

س: هل نحتاج اليوم لعرض الروايات على الكتاب العزيز؟

في مسألة عرض الروايات على الكتاب والسنة قلنا سابقًا أن الذي يعرض على الكتاب والسنة هم أهل البيت (عليهم السلام) وخيرة أصحابهم وخيرة العلماء (رضوان الله عليهم)، وهذه المهمة قد تمت في القرون الثلاثة الأولى قبل بدء الغيبة الكبرى. لا يُعقل أن الأئمة والعلماء في تلك القرون لم يقوموا بهذه المهمة مع علمهم بما عرض على الروايات والكتب من تحريفٍ وكذبٍ ووضع، فهذه المهمة قد انتهت ولسنا بحاجةٍ إلى إعادة القضية. أما في زماننا فيمكن أن أعرض المشكوك -وهو نادر- على الكتاب والسنة إذا كنت عارفًا بالكتاب والسنة بالحد الذي يؤهلني للعرض.

بملاحظة حديث الثقلين -الوارد بألفاظٍ كثيرة ومضمونٍ متواتر- نحتمل أنَّ المُتمسَّك به إما أن يكون محكمًا، وإلا فالمتمسِّك إلى ضلال، فالضمان هو المتمسَّك به، فلا يعقل أن يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) تمسكوا بهذا الأمر ثم لا يضع منهجًا لحفظه ويتركه عرضةً للإسرائيليات والوضع والدس، هذه المسألة عقلائيةٌ فتنبَّه.

ثم إن العرض على الكتاب والسنة أحتاج فيها لأن أكون مالكًا للكتاب والسنة، فلا ضمانة في أن الذي أريد عرضه ليس هو جزءٌ مما يتمم الكتاب والسنة، فكيف أعرضه حينها مع كون المعروض مأخوذًا في موضوع المعروض عليه؟ وهذا غير ممكن، فالدليل هنا عقلي.

بعد جمع الروايات في الأصول والكتب، ثم في الموسوعات الحديثية الجامعة، جاء دور النسخ، فالأخطاء الواردة على النُسخ هي راجعةٌ للنسَّاخ لا لنفس الكتب والمجاميع الحديثية، فيأتي دور المقابلة والتحقيق، واستمرت العملية حتى تبلور علم التحقيق، والأخطاء الموجودة في الكتب اليوم قليلة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون