الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السابع والثلاثون

 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال السابع والثلاثون:

 

]٥٢[ الرواية الحادية عشر: وعن محمَّد بن موسى بن المتوكِّل، عن محمَّد بن يحيى، عن محمَّد بن أحمد، عن عبد الله بن محمَّد، عن عليِّ بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفرٍ (عليه السلام) في دعاء: يا ذا الذي كان قبل كلِّ شيءٍ ثم خلق كلَّ شيءٍ، الحديث.

 

قوله: "يا ذا الذي كان قبل كلِّ شيء"، فيه أمرٌ زائدٌ عن الروايات السابقة نستفيده من قوله (كان)، فهي تدلُّ على الكينونة أي أنه موجودٌ بلا سابق.

القاعدة الكلَّية الأولى: أنَّه كان قبل كلِّ شيء. والثانية: أنَّه خلق كلَّ شيء.

 

]٥٣[ الرواية الثانية عشر: وعنه، عن عليِّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن الصقر بن دِلف، عن أبي الحسن الثالث (عليه السلام)، قال: يا ابن دِلف، إنَّ الجسمَ محدثٌ والله مُحدِثه ومُجَسِّمُه، الخبر.

 

الجسم مُحدَثٌ لأنه مركَّبٌ ومحلٌّ للحوادث، وهذه علامات الإمكان والحدوث. قال (عليه السلام): "والله مُحدِثه ومُجَسِّمُه"، فكلُّ جسمٍ مُحدَثٌ، وكلُّ جسمٍ مُحدَثٍ الله مُحدِثُه ومُجَسِّمُه. ولكنْ ماذا أحدث؟ وجوده أم ماهيته؟

إن الأصالة للوجود عند العدليَّة، لكن لا بما يظهر في هذا الوجود، والله مُحدِثُه؛ أي مُحدِثٌ لوجوده، ثم جسَّم هذا الوجود، وجَسَّم؛ يعني رَكَّب.

 

]٥٤[ الرواية الثالثة عشر: وعن علي ماجيلويه، عن عمِّه، عن محمَّد بن عليٍّ الصيرفي، عن عليِّ بن حماد، عن المُفضَّل، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في كلامٍ يصف فيه الباري تعالى: كذلك لم يزلْ ولا يزال أبدَ الآبدين وكذلك كان إذ لم تكنْ أرضٌ ولا سماءٌ ولا ليلٌ ولا نهارٌ ولا شمسٌ ولا قمرٌ ولا نجومٌ ولا سحابٌ ولا مطرٌ ولا رياحٌ، ثم إنَّ الله أحبَّ أنْ يخلُقَ خلقًا يعظِّمون عظمته، الحديث.

 

قال (عليه السلام): "كذلك لم يزلْ ولا يزالُ أبدَ الآبدين"؛ أي هو قديمٌ وسرمد.

أما تعداد الظواهر الكونيَّة إما لأنها ظاهرةٌ للإنسان وفي نظره أنها الأصل التي لولاها لما رأى هذا الوجود، أو لأنها مصاديق للتعبير عن كلِّ شيء، وزوال هذه الأصول المشهودة للإنسان يعني لا شيء حينها فهي مرتبطةٌ بالزمان والمكان، وقد نتمكَّن من إرجاعها لإدراك الإنسان في هذا الوجود، بل وكلِّ إدراكات الإنسان مع شيءٍ من التدقيق مرتبطةٌ بها.

وأما التوفيق بين غاية عبادته الواردة في القرآن الكريم، وغاية التعظيم الواردة في الرواية فيكون بالقول بأن التعظيم عبادة.

قال (عليه السلام): "يُعظِّمون عظمته": قد يقال لأن عظمته سابقةٌ على الخلق، وقد يقال أن التعظيم بملاحظة العظمة الإلهيَّة الموجودة فعلا، لا تعظيم من يدَّعي العظمة وهو لا يستحقُّ التعظيم.

 

]٥٥[ الرواية الرابعة عشر: وعنه، عن عمِّه، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النَضْر، عن عمرو بن شِمر، عن جابر، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام)، قال: إنَّ الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيرَه، الحديث.

 

مرَّ مثله في الأحاديث السابقة.

 

[٥٥] الرواية الخامسة عشر: وعن أبيه، عن محمَّد بن يحيى، عن محمَّد بن الحسين، عن ابن أبي عُمير، عن هشام بن سالم، عن محمَّد بن مسلم، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام)، قال: سمعتُهُ يقول: كان الله ولا شيء غيرَه ولم يزلْ عالمًا بما كوَّن، فعلمه به قبل كَوْنْه كعلمه به بعد ما كوَّنَه.

 

مرَّ مثله في الأحاديث السابقة.

 

]٥٧[ الرواية السادسة عشر: وعن الدقَّاق، عن الأسدي، عن محمَّد بن بشير، عن أبي هاشمٍ الجعفري، عن أبي جعفرٍ الثاني (عليه السلام) في حديث أسماء الله وصفاته، قال: إنْ قُلتَ: إنَّها لم تزلْ في علم الله وهوه مُستحِقُّها فَنَعَم، وإنْ كُنتَ تقول: لم يزلْ تصويرها وهجاؤها وتقطيع حروفها، فمعاذَ الله أنْ يكونَ معه شيءٌ غيرُه، بل كان الله ولا مَعَهُ خلقٌ ثم خلقها وسيلةً بينه وبين خلقه، يتضرَّعون بها إليه.

 

الهاء في قوله "مُستحِقُّها" عائدةٌ على الأسماء والصفات.

في مباحث العقائد يسألون: هل العالِمُ عالِمٌ بنفسه أم لا؟ وهل يجب ضرورة؟

ثم ينتهون إلى إثباتها، وقد مرَّ الكلام عن الصفات أنَّها عين الذات، وعلمه تعالى هو بهذه الصفات، ولكنَّ علمه بصفاته لا يعني الاثنينية، وكونه يستحقها لا يعني أنه لم يكن يستحِقُّها ثم استحقَّها، بل هي اللائقة به على نحو الضرورة، ولا يليق به شيءٌ إلا هذه الصفات.

قال (عليه السلام): "وإنْ كُنتَ تقول: لم يزلْ تصويرها وهجاؤها"، فتكون قديمةً معه وهذا منفي، لذلك قال: "فمعاذَ الله".

قال (عليه السلام): "وتقطيع حروفها"، فهي -أي الأسماء- مُحدَثَةٌ لكنها معه، وعندما نقول لم تزل نجمع بين النقيضين، وأما معرفتها فبالدليل العقلي لكن لا كصفاتٍ وأسماء بل برَبِّ العزَّة، فهو عالمٌ وحكيمٌ ومحيطٌ وغنيٌّ إلى آخره من أسماء، لكنَّ التعبُّدَ بها فقط ولا نتجاوزها ونخترع أسماء وصفاتٍ من عند أنفسنا.

المعاني في الكلام نصل إليها بالدليل العقلي، لكنَّنَا لا نُطلِق الأسماء من عند أنفسنا، بل نتعبَّد بما جاء في النصوص، وهذا هو الفرق بين المتكلِّم والفيلسوف، فالمتكلِّم ينطلق من الروايات، أما الفيلسوف فيضع مصطلحاته الخاصة.

المقام الثالث: خلقها مُقطَّعَةً خطابًا للناس يُتوسَّل بها ويُتضرَّع بها إليه، وهي مخلوقةٌ وليست الأصل. أمَّا المقام الأول: فهي حقيقةُ الأسماء والصفات وهي عين ذاته تعالى. وأمَّا المقام الثاني: فنفي كونها قديمة.

 

]٥٨[ الرواية السابعة عشر: قال: ورُويَ أنَّ أميرَ المؤمنين (عليه السلام) سُئِل: أين كان ربُّنَا قبل أنْ يخلق سماءً وأرضًا؟ فقال: أين سؤالٌ عن مكان، وكان الله ولا مكان.

 

أجاب أمير المؤمنين (عليه السلام) بأن السؤالَ غيرُ صحيح، لأن الأين للمكان، والله تعالى موجودٌ ولا مكان وهو خالقه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون