الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الرابع والثلاثون.


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الرابع والثلاثون:

 

[٤٨] الرواية السابعة: وفي كتاب العِلل، عن أبيه، عن سعد، عن محمَّد بن أحمد السياري، عن محمَّد بن عبد الله بن مهران الكوفي، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن إسحاق الليثي، قال: قال لي أبو جعفرٍ (عليه السلام): يا إبراهيم إنَّ الله تبارك وتعالى لم يزلْ عالما، خلق الأشياء لا من شيء، ومن زعم أنَّ الله عزَّ وجلَّ خلق الأشياء من شيءٍ فقد كفر، لأنه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديمًا معه في أزليَّته وهويَّته، كان ذلك أزليا، بل خلق الله الأشياء كلها لا من شيء، الحديث.

 

ذكر الإمام (عليه السلام) فرضًا في قوله: "لأنه لو كان ذلك الشيء الذي خلق ... أزليا"، ونفاه، ويرجع هذا الفرض إلى القسمة الاقترانية أو الثنائية في المنطق، فلم يكن يحتاج إلى ذكر الفرض الثاني في المقام، فنفي الفرض الأول يثبت الفرض الثاني، أو ينفي الفردين معا، وعند نفي الفردين يثبت خطأ الموضوع، وهنا نفيٌ للفردين، فلم يثبت الموضوع، وبالتالي نرجع للرواية السابقة لنجد فيها البرهنة بالتسلسل، وبعد أن انتفى الشيء بقي اللا شيء، ولا قسمة فيه لأنه يعني العدم، ونصل للمطلوب في قوله (عليه السلام): "خلق الشيء لا من شيءٍ كان قبله"، وهذا دليلٌ عقليٌّ راجعٌ لقاعدة استحالة اجتماع وارتفاع النقيضين.

 

س: ما الفرق بين قولنا (من لا شيء) وقولنا (لا من شيء)؟

الجواب: الفرق بينهما نجده في المنطق، فقوله (من لا شيء) هو بشرط لا، والآخر لا بشرط. وبالتالي تتوسع الدائرة ونقول حينها يخلق الله من شيءٍ أيضا، فعندما نقول أن الخلق بلا شرطٍ فيخلق المخلوقُ والخلق يرجع إلى الله ولكنه من شيء، أما إذا قلنا بشرط لا فيحصل الإشكال كما مر.

 

[٤٩] الرواية الثامنة: وفي كتاب التوحيد، عن أبيه، وابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، قال: قال موسى بن جعفر (عليه السلام): هو الأول الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه مخلوقٌ مُحدَث، تعالى عن صفات المخلوقين علوًا كبيرا.

 

المراد من (الأول) هنا ليس المعدود، والمراد من (الآخر) ليس المعدود كذلك.

 

س: ما الفرق بين قوله (عليه السلام): "تعالى عن صفات المخلوقين"، وقولنا: (تعالى عن المخلوقين)؟

الجواب: لا بد أن ننتبه أنه لا ظهور للذوات إلا بصفاتها، فالكلام بالصفات دائمًا أبلغ من الكلام بالذات، خصوصًا في مقام التفهيم، بخلاف الكلام في البحث العلمي الدقيق جدًّا حيث تتكلَّم هناك عن الذوات دون الصفات، لذلك قال (عليه السلام): "عن صفات المخلوقين"، فإذا قال تعالى عن المخلوقين فنسأل في ماذا؟ ولكن إذا قال عن صفات المخلوقين فيتعالى عن الصفات وبالتالي يلزم التعالي عن المخلوقين.

 

س: كيف نستفيد من المشتقِّ في إثبات مسألةٍ عقائديةٍ من قوله (عليه السلام): "مخلوقٌ محدث"؟

نقول: أنه -أي لفظ مخلوق- ليس مشتقًا أصوليًا، لفقدانه للشرط الثاني، وهو أن زوال الوصف يؤدي إلى زوال الذات، ولكن القول بأنه ليس مشتقًا أصوليًا يفيدنا فوائد ودلالاتٍ أخرى.

يبدأ البحث بعد إجابتنا أن هذه الذات هل تزول أم لا، فنقول: إما أن وراء المخلوق ذاتٌ محفوظة، وشرطها أن لا تكون مخلوقة، أو لا، فتكون الذات مخلوقة، وإلا لزم التسلسل.

المسألة الأخرى: ما هو محل النزاع في المشتق؟ محله ما انقضى عنه التلبُّس، والتلبُّس من طبيعته الانقضاء، سواء تعلَّق بالذات أم لم يتعلق، وكل ذاتٍ في هذا الوجود لا بد وأن تقع في ظرف، وإلا لا يكون لها ظهورٌ في هذا الكون، وكل مخلوقٍ لا بد أن يكون في مكانٍ وزمان، وإلا لا يمكن أن يظهر في هذا الوجود المُدرَك للإنسان، وهما -أي الزمان والمكان- يتصرَّمان، وبالتالي يتجدَّد وجودنا في كل آن، وعليه نثبت أننا في عناية الخالق في كل آن، ولو رفع الخالق يده في لحظةٍ ما لتحوَّلت المخلوقات من الوجود إلى اللاوجود، لانقطاع تجدد المخلوقية.

فعندما نقول الإنسان مخلوق، يثبت له اسم المشتق، ويثبت معه أمرٌ آخر، وهو بقاء يد الخالقية ببقاء المخلوقية، بل لو مات المخلوق وتحلَّل تبقى ذاته وتبقى اليد الخالقية، وتجمعه بعد تحلُّله وتُرجعه إلى الذات.

 

فائدة:

في كل درسٍ لنا غايةٌ وهي تعلم المسائل، ولنا أيضًا غايةٌ أخرى مهمة، وهي صياغة المنظومة الفكرية، وفهم المسألة طريقٌ لصياغة المنظومة الفكرية، وعدم تطبيق القاعدة المستفادة في بعض العلوم له دلالاته أيضا.

 

[٥٠] الرواية التاسعة: وعن الفضل بن العباس الكندي، بإسناده ذكره عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطبةٍ طويلة: لم يخلق الأشياء من أصولٍ أزليَّةٍ ولا من أوائل كانت قبله أبدية، بل خَلَقَ ما خَلَقَ وأتقن خلقه، الحديث.

 

الفضل بن العباس: هو أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي.

 

قال (عليه السلام): "من أصولٍ أزلية"، ولو كانت المخلوقات من أصولٍ أزليةٍ لتعدَّد القدماء وهو منفيٌّ في محله.

قال (عليه السلام): "ولا من أوائل كانت قبله أبدية"، ولو ثبتت هذه الأوائل لكان الله -والعياذ بالله- مُحدَثا.

قال (عليه السلام): "بل خَلَقَ ما خَلَقَ وأتقن خلقه"، وهذه الإجابة ليس بالجواب الذي ينتظره الإنسان، لكن الجواب كافٍ ومُحكَم، وذلك عن طريق إثبات البطلان لأمورٍ قد يظنها الإنسان، وبعض الأسئلة جوابها البليغ أنه لا قدرة لك على الجواب تكوينا، وهذا هو مبلغ علم الإنسان، فلا يُسأل عن شيءٍ بعد ذلك، فأيُّ سؤالٍ بعد هذه الإجابة غير صحيح، وقد يأتي من يقول أن لكلِّ سؤالٍ جواب، فنقول: هذا غير صحيح، بل هو ضلال، فبعض أسئلة الإنسان هي سؤالٌ عن لا شيء في الواقع.

 

[٥١] الرواية العاشرة: وعن محمَّد بن الحسن، عن أبان، عن ابن أورمة، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، عن عبد الله بن جوين العبدي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه كان يقول: الحمد لله الذي كان إذ لم يكن شيءٌ غيره، وكوَّن الأشياء فكانت كما كوَّنها، وعلم ما كان وما هو كائن.

 

كوَّن: جعلها كائنةً أيْ أوجد. ولكن كيف كوَّنها؟

كل فعلٍ يحتاج إلى أربع عِلل، وهي: (الغائية - الصورية - المادية - الفاعلية)، لكنها بالنسبة لله تعالى واحدة، ونسبتها لله تعالى مطلقًا لا إشكال فيها، إنما الإشكال في نسبتها إليه تحليلا، أما الإنسان فتثبت له على نحو التحليل.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون