الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثامن والثلاثون

 


تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الثامن والثلاثون:

 

من هنا نبدأ الكلام في أسناد الروايات بدأً من الباب الثاني من أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما يناسبها:

 

تمهيد:

 

للأسناد طُرقٌ في التعامل معها، وقد حُصِر الفكر الحوزوي في أنها كُتبت لغاية تصحيح أو تضعيف الحديث، وهذا مجانبٌ للصواب تماما. السند ليس هو الحديث، فإما أن نقول أنه علةٌ تامةٌ لصحة أو ضعف الحديث، أو نقول هو مقتضٍ، أو نقول هو قرينةٌ فلا هو علةٌ تامةٌ ولا هو مقتضٍ كما هو واضح، وهو المختار. فكم من كاذبٍ روى صحيحا؟

وبالتالي لا يمكن أن نعتبر أو لا نعتبر الخبر بسبب السند فقط، ولكن بطبيعة الحال إذا جاء ثقةٌ بخبرٍ وجاءك كاذبٌ بخبرٍ تميل للثقة بشكلٍ طبيعي، ولكنَّ مصادرة ما نقله الكاذب ليس صحيحًا ولا علميا، إلا في موارد الدوران بينهما، فنأخذ حينها بقول الثقة، ولا يعني ذلك أن الآخر غير صحيح، لكنه للدوران في مقام العمل، لعدم انكشاف كلِّ الحقائق لنا.

كتب علماء -في علم الرجال- من أوائلهم ابن الغضائري، وهو أستاذ الشيخ النجاشي، فالنجاشي أكثر توثيقاته مأخوذة من ابن الغضائري، وإن كان هناك كلامٌ في كتاب ابن الغضائري. الشيخ النجاشي يذكر حال الراوي ويذكر أحواله، وإن كان له كتبٌ أو لا، فهو مختصٌ في الرجال، ولا يوثِّق ولا يضعِّف إلا بخبرٍ صحيح، فهو لم يلتقِ كلَّ الرواة، ولذلك إذا تعارض النجاشي مع الشيخ الطوسي أو غيره في التوثيق والتضعيف قال جمعٌ من العلماء بتقديم النجاشي لما تقدَّم، حيث إن الشيخ النجاشي اختص بالرجال، بخلاف الشيخ الطوسي وغيره من الأعلام.

إذن كلام الشيخ النجاشي -بحسب أصحاب هذا القول- معتبرٌ ومقدم، أما الشيخ الطوسي فاهتمَّ بذكر الرجال ممَّن لهم كتبٌ وفهرسةِ كتبهم، ولم نقف على مَنْ ذكر في مقدمة كتابه -بحسب تتبعنا- أن الغاية من كتابه تصحيح أو تضعيف الرواية من خلال توثيق وتضعيف الرجال، إلا الشيخ الطوسي في الفهرست، فالحصر في هذه الغاية غير صحيح.

لحدِّ الآن اتضح أن لدينا منهجًا يعتمد السند في تصحيح وتضعيف الروايات.

لا يوجد أحدٌ من العلماء في الإسلام، ولا في غير الإسلام، أعطى السند الحاكمية على المتن على الإطلاق، لكن العلماء جاؤوا في الأحكام الشرعية فقالوا أن المسألة تتعلَّق بالله، وبالتالي نحن نتقوَّل على الله إذا حكمنا بحكمٍ شرعيٍّ ما، وقلنا بثبوت أمرٍ ما أو بعدم ثبوته، ففي المسألة كلامٌ بلسان ربِّ العالمين، فنحتاج لشيءٍ نعتذر به بين يدي الله يوم القيامة، ولذلك يتمُّ التدقيق في السند، فهذا قسم من العلماء يمارس التدقيق فيما يتعلق بالفتاوى، أما إذا خرج منها لمقامٍ آخر فلا يعود لممارسة التدقيق في الأسناد، والقسم الآخر منهم يُدخل السند في كلِّ مورد، ولا دليل مطلقًا على حاكميته بالشكل الذي أرادوه.

 

طريقتنا:

نريد أن نرى هل هذه الرواية موافقةٌ لما عليه الدين أم لا؟ وبالتالي إذا درسنا أو تتبَّعنا ما قيل في الرواة، لا من أجل توثيقهم، وإنما من أجل توثيق الرواية، فقد نجد أن رجلًا ليس موثَّقًا في كتب الرجال، وتنقل عنه رواية أو أكثر في كتبنا الحديثية، فنسأل ما الذي أتى بهذه الرواية هنا، وبحثنا ووجدنا أن له روايات في الكتب المعتبرة، وهذا لا يدل على وثاقته، لكن الذي يرويه أصحُّ من المروي صحيح السند، وذلك لأن نقل روايته يدلُّ على تحقيق روايته والتدقيق فيها أكثر من غيرها قبل نقلها في الكتب، وشرط هذا الكلام أن يكون من نقل الرواية في كتابه ثقةً عندنا، بل نلاحظ أن الرواية مرَّت على الكثير من الرواة الثقات عندنا، ومع ملاحظة الأسناد قد تكون الرواية مرَّت على المئات من الأصحاب، فوجود هذا الضعيف أو الكذَّاب حينها لا يضرُّ بصحَّة الرواية. أما القول بأنهم ثقةٌ في نقلهم كذب هذا الكذاب، فهو غير صحيح، فيمكن وصفهم بالأمانة أو النقلة حينئذٍ، لا بالثقات لأنهم لا يصحُّ أن ينقلوا أيَّ شيءٍ حتى لو كان عن كاذب.

 

فيما يأتي نبدأ بدراسة شخصيات وأحوال أصحاب الكتب من المتقدمين من أصحابنا، وعلى رأسهم المحمَّدون الثلاثة، ثم أصحاب الكتب الأصول الأخرى كالشيخ المفيد والصفار وغيرهم، ثم ننتقل مع الأسناد، ومن خلالها نجد المشيخة حيث إن الروايات منقولةٌ عن طريقهم وسنجدهم فيها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون