بريدي الإلكتروني (٦) ربَّة منزلٍ فقط!!
بسمه تعالى..
أجلس من نومي بكل صباحٍ مع ارتفاع صوت الحق، أُلملم أطرافي وأستعيد ما بقي فيها من طاقة، أقيم الصلاة بعد أن أوقظه وأوقظ أبنائي لأدائها، يعودون ليرتاحوا قليلًا وأتوجه لتجهيز ملابسهم، ثم أنتقل للمطبخ مباشرة، أُجهِّز لهم الشاي وطعام الإفطار بكل أريحيةٍ وسعادة، دون كللٍ أو ملل..
يقوم كل فردٍ من فراشه، يستحم كل واحدٍ منهم، ويجد ملابسه الرسمية جاهزة، يخرجون والإفطار جاهزٌ على طاولة الطعام، وأنا أنتظرهم هناك، أسكب لهم الشاي بيدي، وأعطي كل فردٍ نصيبه من الطعام، وكل ما يحتاجه لإفطاره، نتبادل أطراف الحديث والابتسامة مرسومةٌ على كل الشفاه، نعم هكذا كان الحال، ثم يتوجَّه زوجي للعمل ويرسل أبنائي الثلاثة للمدرسة وهو في طريقه للعمل، وأبقى وحدي..
ماذا هناك؟!
طاولة الطعام وما عليها تحتاج للتنظيف والترتيب من جديد، أرفع عنها كل شيءٍ وأقوم بتنظيفها ثم بتغسيل الأواني، ووضعها في أماكنها المخصصة، ثم أرتب غرفة الطعام، لتكون بأزهى صورة، وأنتقل بعد ذلك لغُرف النوم، وأرتب الأَسرَّة والمفارش وكل ما خلفه زوجي وأبنائي من فوضى، وأعطِّرها وأخرج من غرفةٍ لأخرى حتى تكون كل الغرف مرتبةً ونظيفةً وزاهيةً كما كانت قبل النوم البارحة.. ثم أبدأ بتنظيف غرفة الجلوس وباقي مرافق المنزل، ولا يهدأ لي بالٌ حتى أنهي كل تلك الأعمال في كل يوم، وعادةً ما تكون الساعة قد شارفت على التاسعة، وفي هذا الوقت فقط أسرق بعض الوقت لأرتاح قليلًا لأستعيد بعض النشاط..
عند العاشرة من كل صباحٍ أبدأ بتجهيز وجبة الغداء، ما عدا يوم واحد نطلب فيه وجبة الغداء من أحد المطاعم لكسر الروتين اليومي، وتغيير مذاق الطعام، وبكل سرورٍ تمتزج موادُّ الغذاء بعطاء أناملي، لتتشكل وجبةً يحبها زوجي وأبنائي، فإنهم يفضلون الطعام من المنزل، ولا أخفي عليكم أنَّ هذا الأمر يسرني كثيرًا حتى مع ما يورثه من تعبٍ ومشقَّةٍ أحيانا..
يجهز الطعام قبل مجيء زوجي وأبنائي بوقتٍ كاف، ما يمنحني الفرصة للاستحمام والاستعداد لاستقبال زوجي وأنا بكامل أناقتي وزينتي، كي لا يشعر بأيِّ نفورٍ مني، حتى أنَّ أبنائي يلاحظون ذلك ويبتسمون بوجهي، فإنهم يعلمون بمدى حبِّي لوالدهم، وانتظاري الدائم له بشوقٍ لا يهدأ مع أول خطوةٍ يخطوها خارج المنزل.. وما أنْ يرمي زوجي وأحبتي أثقالهم بأماكنها حتى نجلس جميعًا لتناول وجبة الغداء الشهية المليئة بالمحبَّة -كما يعبِّرون-، ونظلُّ فترةً طويلةً على مائدة الطعام، أستمع فيها لهم فردًا فردا، وأفرح لما يُفرحهم، وأخفِّف عنهم آلامهم وما يضايقهم، ثم تُرفع الجلسة لموعدها القادم، وأباشر واجباتي مجددا.
وهكذا يذهبون ليرتاحوا وأُنهي أعمالي بالظهيرة، ثم أتوجَّه لغرفة زوجي الذي يأخذ قسطًا من الراحة بعد تعب العمل، وأستلقي بجانبه لمدة نصف ساعة، ثم أتفرَّغ لنفسي قليلا، وهي فترة ما بعد هذه الغفوة اللذيذة ووقت صلاة المغرب، حيث أنَّ هذا الوقت هو ما وفَّرته رملة لنفسها، لتغذي فيه روحها وقلبها وعقلها بالقراءة، وقد نجحت بالمحافظة عليه في كل يوم، وتعلَم ما لذلك من الأثر الإيجابي يا سيد..
بعد صلاة المغرب أعاود العمل وأجهز العشاء، ونجلس لنتاوله معا، ثم أباشر واجبات ما بعد الوجبة، وأسرع قليلًا كي أتمكَّن من اللحاق بجلسةٍ يجتمع فيها زوجي وأبنائي، أسترق النظر لوجوههم والابتسامة تعلو وجهي، وقلبي قبل أذني يستمع لكلماتهم، وهي لذةٌ ما بعدها لذةٌ بقلب رملة..
هذا هو حالي في كل يوم، وما يسعدني أنه محلُّ تقديرٍ من زوجي وأبنائي، وهو أهمُّ ما في الأمر..
فقط يضايقني أحيانًا كلام أخواتي فإنَّهنَّ يعملنَ جميعا، ولهنَّ مرتَّبٌ شهري، فيدعينَ أنَّني بلا وظيفة، فعندما يسألُهنَّ أحدٌ عني، فيُجبنَ إنَّها لا تعمل فهي ربَّةُ منزلٍ فقط!!
أستغرب من مثل هذا التعبير، فإنَّهنَ وللأسف قد أهملوا منازلهن، وقد عمَّ الخراب والتفكُّك الأسري فيها، فبينما فكَّرنَ في العمل فقط، والاتكال على غيرهنَّ بإدارة شؤون المنزل، ولم يمنحنَ أيَّ وقتٍ لأداء حقوق أزواجهنَّ وأبنائهنَّ كما ينبغي، وقصَّرنَ فيها كثيرا، وللأسف يبدو أنَّ إحداهنَّ على مشارف الطلاق، ومع ذلك هنَّ يتهمنني بأنَّني عاطلة، بينما أجد نفسي أقوم بأشرف الوظائف وأهمها، لكن غفلةً ما قد اعترتهن، سامحهنَّ الله، وهداهن..
أنا رَبَّة منزلٍ متألقة، ولست امرأةً عاطلةً كما يقولون..
أختك رملة..
ملاحظة: نُشرت هذه المقالة عبر مدونة ارتقاء سابقا.
محمود سهلان
٩ يناير ٢٠١٧
تعليقات
إرسال تعليق