بريدي الإلكتروني (٤) الماديَّة مُرتكَزُها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
في إطار البحث عن شريكتي بهذه الحياة، تقدَّمت لطلب يد أكثر من شابة، لكنني لم أجد ضالَّتي مع إحداهن، فإن اختيار رفيق دربٍ طويل، يكاد يكون جزءًا منك، ليس بالأمر الهين أبدا..
أرشدتني والدتي لإحدى الشابات، ومرَّت الإجراءات الاعتيادية سريعا، وتم تحديد موعد المقابلة، وكانت بنتًا لعائلةٍ مؤمنةٍ في حالةٍ ماديةٍ جيدةٍ جدا، وكان حالنا مشابهًا لحالهم، وبدأتُ بتجهيز نفسي للمقابلة، وتحديد النقاط التي أريدها كي لا أنسى، حتى كتبت بعضها بمذكَّرة الهاتف، فليست مقابلة الزواج بالأمر الهيِّن بعد أن جربت ذلك مرارا..
ظلَّت التساؤلات تأخذني يمينًا وشمالا، كيف هي؟ وما هي نظرتها للحياة؟ وكيف هي أخلاقها وسلوكياتها؟ هل هي جميلة الشكل أم لا؟
هكذا تظل الأسئلة تتوارد في ذهن من يُقبِل على هذه الخطوة، ولا غرابة في ذلك..
حانت اللحظة المحدَّدة، وأدخلوني عليها بغرفةٍ جهزوها لاستقبالي مسبقا، وبقينا وحدنا هناك، فبدأتها بالسلام وردت بأحسن منه، لكنه بخجلٍ شديد، ثم بدأتُ بالحديث معها، وقد كانت قليلة الكلام، حتى ظننت أنني صاحب الشأن فقط دونها، لكنها بدأت تتحدث شيئًا فشيئا..
قالت أنَّ ما يهمها هو الرجل وأخلاقه، وأنْ يهتم بها ويرعاها ويؤدي حقوقها، وأنَّها ستكون له بالمقابل، وأنَّ الماديات ليست كل شيء، وأنَّ الزواج بناءٌ ينبغي أنْ يكون صلبًا متماسكا، مبنيًّا على التفاهم بين الطرفين، وغير ذلك مما التذَّت به مسامعي، وتراقص له قلبي فرحا..
بقينا لفترةٍ جيدةٍ يحاول كل طرفٍ منا فهم الآخر، حتى استكفينا بما جرى، وغادرت منزلها والارتياح بادٍ على محياي، وكذلك يبدو لي حالها، وهذا ما أخبرني به من رآني حينذاك..
اليوم بعد ما يقرب من الخمس سنوات من العشرة أرسل هذه الرسالة إليك، راجيًا أنْ تصل إلى الناس، فإنَّني اليوم أجدني وقد أغرقتني الديون من كل جانب، يطالبني فلانٌ بكذا من المال، ويطالبني البنك بمبلغٍ كبيرٍ آخر، واضطرت لاستئجار شقةٍ لنسكنها مع وجود شقةٍ جاهزةٍ بمنزل والدي، والسبب هو رغبات زوجتي.. نعم زوجتي التي كانت تقول أنَّ ما يهمها هو الرجل وأخلاقه وغيره من الكلام الجميل، لكنني وجدت شيئًا آخر منذ ترتيبات العقد، وليلة الزفاف التي هي ليلةٌ واحدةٌ في العمر!!
أملك شقةً بمنزل والدي واسعةً ومناسبةً جدا، لكنها تريد أن تعيش بمفردها تماما، ومع كونها ليست ملتزمةً بدراسةٍ أو عملٍ اضطرتني لشراء سيارةٍ جديدةٍ لها لا زالت أقساطها العالية تؤرقني، وتكاد لا ترتدي فستانًا مرتين بحياتها، ولا تأكل إلا من المطعم الفلاني أو المطعم الكذائي، ولا بد أنْ تسافر لبلدةٍ سياحيةٍ ما مرةً أو مرتين بكل عام، وتغير هاتفها مرتين إلى ثلاثٍ بالعام..
في الحقيقة أتجاوب معها بالقدر المتيسر لي، لكنني في نظرها بخيل، ولا أسعى لراحتها، ولا أهتم بها، فمهما أقدِّم لها فأنا لا أقدم شيئا، وكأنني أصبحت في حياتها بنكًا فقط، فلا مشاعر ولا أحاسيس قد بقيت بيننا، وبدأتْ بإهمالي وإهمال حقوقي كلها بشكلٍ غريب، أما الحوار بيننا فقد فقدناه تماما، فلا توجد نقاط التقاءٍ بيننا إلا نادرا، ولا توجد لغةٌ نتفهَّمُها معا..
لا زلت أحاول أنْ أتغلَّب على كل نقاط الضعف في علاقتنا، وأحاول أنْ أجد اللغة المناسبة بيني وبين زوجتي، وأن أنمي نقاط الالتقاء بيننا، وأبحث عن كل السلبيات في محاولاتي لعلاجها، وآملُ أنني سأتمكن من تغيير الحال، إلا أنْ عائق الاختلاف الثقافي يقف في وجهي بقوة، فإنَّ نظرتها للأمور مختلفةٌ جدًّا عني، وكلما حاولت الخروج من القيود التي تفرضها علينا حياة اليوم، وجدتها أول من يقف بوجهي، لأنَّها لا تريد أنْ نتخلص من تلك القيود، وتريد أنْ تعيش براحةٍ تامةٍ كما ترى هي، لذلك أجد نظرتها للمال منقادةً للواقع المُعاش حولها، فلا يهم أنْ نغرق بالديون لنعيش وهمَ الفرح والسعادة، نعم هو وَهْم..
لعل السنوات الخمس الماضية علمتني أنْ اختلاف الثقافات والنظرة للحياة تؤثر كثيرًا على حياة أيِّ زوجين ما لم يسعيا للتقارب والتفاهم، وتعلمت أنَّ لغة الحوار ضروريةٌ جدًّا لقيام أيِّ علاقةٍ ناجحةٍ بين أيِّ رجلٍ وامرأة، ثم أنَّ السعي للتفاهم وتقشير البقع السوداء من فوق جلد العلاقة بشكلٍ دائمٍ عمليةٌ ضرورية، أما الإهمال لسوء الفهم وللمشاكل التي تطرق أبوابنا فهو يقود علاقاتنا للتهالك والهدم..
لم أفقد الأمل بعد، وسأظل أسعى لحياةٍ زوجيةٍ أفضل، وللتكامل مع شريكة حياتي..
أخوك المحب: أبو محمد..
ملاحظة: نشرتُ هذه المقالة سابقًا على مدونة ارتقاء.
محمود سهلان
١٢ ديسمبر ٢٠١٦م
تعليقات
إرسال تعليق