الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الحادي والستون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الحادي والستون:
]١٠٦[
الرواية الثالثة: قال الكليني: وفي روايةٍ أخرى عن حَريز: تكلَّموا في كلِّ شيءٍ
ولا تتكلَّموا في ذات الله.
الرواية عامةٌ،
وهي تبيح الكلام في كل شيءٍ دون الذات الإلهية، لكنها مخصَّصَةٌ برواياتٍ أخرى،
كالذي جاء عن أهل البيت (عليهم السلام) أن اسكتوا عمَّا سكتنا عنه وغير ذلك.
]١٠٧[
الرواية الرابعة: وعن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن ابن أبي عُمير، عن
عبد الرحمن بن الحجاج، عن سليمان بن خالد، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام):
إنَّ الله يقول: {وأنَّ إلى ربِّكَ المُنتهى} ]النجم/ ٤٢[
فإذا انتهى الكلامُ إلى الله فأَمسِكوا.
المقصود هنا (إذا
انتهى الكلام إلى ذات الله)، فيمكن أيضًا أن تُضاف الصفات أو الأسماء فتكون
العبارة هكذا: (أسماء الله) أو (صفات الله)، وذهبنا لهذا لورود النهي عن الكلام في
الذات في الروايات السابقة، والأمر بالكلام في الصفات، كما أنه لا يمكن استفادة
النهي عن الصفات من الرواية، لأنها نَهَتْ عن الكلام في الموصوف (الله)، لا في
الصفة (الصفات).
قال (عليه
السلام): "فأمسكوا"، وهذا أمرٌ للإنسان بالسيطرة على أفكاره
عندما تصل إلى هذا الحد، بل لو تجاوز الحدَّ وتكلَّم في ذات الله للزم النقيض، لأن
الكلام في ذات الله يعني الكلام في المحيط، والحال أنك محاط بك.
]١٠٨[
الرواية الخامسة: وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبي أيوب، عن
محمَّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): يا محمَّد، إنَّ الناسَ لا
يزال بهم المنطقُ حتى يتكلَّموا في الله، فإذا سَمِعتم ذلك فقولوا: لا إله إلا
الله الواحد الذي ليس كمثله شيء.
أي أن المنطقَ لا
يزال يقودهم، لا أنهم يستعملون المنطق، وليس المراد من المنطق هو العلم المُدوَّن،
وهذا نحو ذمٍّ لهم لأنهم جعلوا المنطق يتحكَّم بهم بينما ينبغي للإنسان أن يستفيدَ
من القواعد في استدلالاته فيما هو محاطٌ به، فتكون السلطة على القواعد مني أنا كمُفكِّر،
لا أن يجعلها قائدًا له بنحو مُطلَق.
والكلام هنا إلى
غير المؤمنين، والوارد في الرواية ليس من شأن المؤمن، ولا مجالسة أمثال هؤلاء من
شأنه، ويمكن استفادة ذلك من قوله (عليه السلام): "إذا سمعتم ... شيء".
وقد قال (سمعتم) ولم يقلْ (استمعتم) والثاني ينبغي مراعاته من باب أولى.
تنبيه:
قد يَرِدُ الضعف
اللغوي على بعض كلمات أهل البيت (عليهم السلام) من المنظور اللغوي، من خلال تطبيق
القواعد عليها، لكن لا ينبغي تحكيم هذه القواعد لإثبات أو نفي صحَّة أو صدور
الرواية عنهم (عليهم السلام)، فإن ذلك راجعٌ للظروف والمقامات التي صدر فيها
الكلام، وقد ورد عنهم (عليهم السلام) ما يُفيد ذلك.
]١٠٩[
الرواية السادسة: وعن علي بن محمَّد، ومحمَّد بن الحسن، عن سهل، عن محمَّد بن
عيسى، عن إبراهيم، عن محمَّد بن حكيم، قال: كتب أبو الحسن موسى (عليه السلام) إلى
أبي: إنَّ الله أَجلُّ وأعظمُ من أنْ يُبلغَ كُنْهُ صِفَتِهِ فَصِفُوه بما وَصَفَ
به نَفْسَهُ وكُفُّوا عمَّا سِوى ذلك.
هذه الرواية هي
المُبيِّنَة للروايات الخمس السابقة كما قلنا، وهنا قاعدتان:
الأولى: لن تبلغوا
كُنهَ صِفَةِ الله.
الثانية: لا تصفوه
بغير ما وَصفَ به نفسه.
تنبيه:
احذروا من شهوة العلم، فإن الشهوات الأخرى كالبطن والنساء والوجاهة وغيرها -بحسب رواية الإمام زين العابدين (عليه السلام)- قد تُترَك من أجل شهوة العلم، فالشهوات الأخرى قد يكون لها حلولًا واضحة، لكن شهوة العلم قاتلة، وليس المقصود طلب العلم بشكلٍ مبالغٍ فيه فتكون جُربُزة، بل تلبُّس العلم من أجل أن يأخذ مكانًا ومساحةً بين أهل العلم وبين الناس.
تعليقات
إرسال تعليق