الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الخامس والستون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الخامس والستون:
فائدة:
عندما يقتطع الشيخ
الحرُّ العاملي (قدِّس سرُّه) من أيِّ روايةٍ ما يحتاجه في المقام، وهو ليس من
مقامات الاستشهاد، وإنما من مقامات الجمع، فهو يريد أن يجمع كل ما يصلح للتدليل
على أمرٍ معيَّن، وهذا كاشفٌ عن تدقيق الحرِّ العاملي في الروايات، وهذا ليس موجودٌ
ضرورةً عند كل العلماء، فيُطمئنُّ له ولأمثاله في استشهاده بالشواهد الروائية أكثر
من غيره، فينبغي الاعتناء بالرواية لعنايته بها.
]١١٧[ الرواية الرابعة عشر: المفضَّل بن عمر، في كتاب التوحيد الذي رواه عن
الصادق (عليه السلام) في حديثٍ طويل، قال: إنَّ العقل يعرف الخالق من جهةٍ تُوجِب
عليه الإقرار ولا يعرفه بما يُوجِب له الإحاطة بصفته، إنَّما كُلِّف العباد من ذلك
ما في طاقتهم أنْ يبلغوه، وهو أنْ يوقنوا به ويقفوا عند أمره ونهيه، ولم يُكلَّفوا
الإحاطة بصفته، كما أنَّ الملِكَ لا يكلِّف رعيَّته أنْ يعلموا أطويلٌ هو أم قصير،
أبيضُ هو أم أسمر، وإنَّما يُكلِّفهم الإذعان بسلطانه والانتهاء إلى أمره، ألا ترى
أنَّ رجلًا لو أتى باب الملك فقال: اعرِض عليَّ نفسك حتى أتقصَّى معرفتك وإلا لم
أسمع لك، كان قد أهَّلَ [أحل] نفسه لعقوبته، فكذا القائل إنَّه لا يُقرُّ بالخالق
سبحانه حتى يحيط بكنهه متعرِّضٌ لسخطه، إلى أنْ قال: وليس شيءٌ يمكن المخلوق أنْ
يعرفه من الخالق حقَّ معرفته غير أنَّه موجودٌ فقط، فإذا قلنا كيف وما هو فممتنعٌ
عِلمُ كُنهِه وكمال المعرفة به، إلى أنْ قال: ثمَّ ليس علم الإنسان بأنَّه موجودٌ
يُوجِب له أنْ يعلم ما هو، وكيف هو، وكذلك علمه بوجود النفس لا يوجب أنْ يَعلمَ ما
هي، وكيف هي، وكذلك الأمور الروحانية اللطيفة، إلى أنْ قال: هو كذلك أيْ غير معلومٍ
من جهة إذا رام العقل معرفة كنهه والإحاطة به، وهو من جهةٍ أخرى أقرب من كل قريبٍ
إذا استدلَّ عليه بالدلائل الشافية، فهو من جهةٍ كالواضح لا يخفى على أحد، وهو من
جهةٍ كالغامض لا يدركه أحد، وكذلك العقل أيضا، ظاهرٌ بشواهده ومستورٌ بذاته.
قال (عليه
السلام): "من جهةٍ تُوجِب عليه الإقرار"، فنعلم بوجود خالقٍ بلا
شك، ولا تؤثِّر التفاصيل في هذه المعرفة، فالعلم الإجمالي كافٍ للإقرار بالخالق
ويوجب الامتثال والطاعة.
ملاحظة:
نلاحظ أن لغة
المعصوم في هذه الرواية مختلفةٌ عن المعتاد منهم (عليهم السلام)، ولا يقدح هذا في
الرواية، وأراد الحرُّ العاملي (قدس سره) تأكيده بعد الرواية بقوله: "والآيات
والروايات والأدلة في ذلك لا تحصى". في الواقع تفاوت اللغة في روايات
المعصومين (عليهم السلام) واضحٌ وهو أمرٌ طبيعي، ولا يمكن اعتماده في قبول ورفض
الرواية، ولم يرد ما يشير إلى ذلك في رواياتهم، نعم وردت روايات العرض على القرآن
والسُنَّة المُحكَمة وما إلى ذلك.
هناك جهتان
للمعرفة بالخالق: معرفةٌ إجماليةٌ منجِّزةٌ للتكليف ووجوب الامتثال، وجهةٌ أخرى
غير مقدورةٍ للعقل.
هل نبحث في
التفاصيل؟ قد نقول: هي غير مقدورةٍ ولا يجوز البحث فيها، وقد نقول: مسكوتٌ عنها، ويصح
البحث فيها لكن لا على أن لها دخالةً في الإقرار والامتثال.
عدم المعرفة
التفصيلية لا ينفي المعرفة الإجمالية، وقد أورد الإمام (عليه السلام) الكثير من
الأدلة في مقام النقض على من قال بلزوم المعرفة التفصيلية، منها العقل والنفس فأنت
تعلم بوجودهما لكنك لا تعرفهما تفصيلا.
تنبيه:
تشعر أحيانًا بأن
الله قريبٌ عندما يكون التفكير منصبًّا على البراهين، ومن جهةٍ أخرى قد تشعر أنه
بعيد، كما إذا طلبت حاجةً ولم تُقضَ لك، وما شابه، ولذلك ينبغي النظر في البرهان
والإرجاع إليه، لا النظر بالنظر الآخر المذكور.
أبواب الكلِّيات
المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب ١٩ - أنَّ الله سبحانه لا تراه عينٌ ولا
يدركه بصرٌ في الدنيا ولا في الآخرة، ولا في النوم ولا في اليقظة:
مرَّ أصل هذه
المسألة وما يأتي تفصيلاتٌ فيها.
]١١٨[
الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد بن أبي عبد الله، عن عليِّ بن أبي
قاسم، عن يعقوب بن إسحاق، قال: كتبت إلى أبي محمَّدٍ (عليه السلام) أسأله كيف يَعبد
العبد ربَّه وهو لا يراه؟ فوقَّع (عليه السلام): جلَّ سيدي ومولاي والمنعم عليَّ
وعلى آبائي أنْ يُرى. قال: وسألته هل رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربَّه؟
فوقَّع: (عليه السلام): إنَّ الله تبارك وتعالى أرى رسول الله (صلى الله عليه
وآله) بقلبه من نور عظمته ما أحبَّ.
وفي روايةٍ أخرى
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (كيف أعبدُ ربًّا لا أراه)، لكن بيَّن الرؤية
وقال هي قلبية.
في هذه الرواية
أجاب الإمام (عليه السلام) بما تفيده الصفات، فقال (عليه السلام): "جلَّ
سيدي ومولاي والمنعم علي"، بالجلال، والإنعام، والإنعام المطلق يستفاد
منه الغنى المطلق، ومن هذه الصفات والأسماء يُفهم أنه لا يمكن أن يرى.
نعم، كما في
التوقيع الثاني، يمكن أن ترى من نور العظمة لا نفس الخالق تعالى، وهذا النور لا يُشبع
منه، ولكن لا يمكن تجاوز هذا الحد، حتى لو كان أعظم مخلوق، وهو رسول الله (صلى
الله عليه وآله).
الرواية الثانية
من الباب: ]نذكرها كاملةً في تقرير الدرس التالي[:
أبو قُرَّة المحدِّث:
من مُحدِّثي العامة.
قوله (عليه
السلام): "أما تستحون"، ما موردها هنا؟
أرجعَ الإمام أوَّلًا
لمقدماتٍ ومعطياتٍ يُفهم منها بعض الأمور، نتيجتها أن الله لا يمكن أن يرى، فكيف
يبلغ الرسول (صلى الله عليه وآله) ما بلغ، ثم يقول أنه رأى الله، والحال أن هذا
نقضٌ لقوله؟! فكلامكم قدحٌ في النبي (صلى الله عليه وآله)، لأن قولكم نسبة للتناقض
في كلامه وفعله. بل الزنادقة لم تستطع أن ترمي النبي بما قلتم.
تعليقات
إرسال تعليق