قِيلَ: هذا جعفري
تشكِّل الآداب العامة للمجتمعات رادعًا
للإنسان عن ارتكاب الكثير من الأفعال، وكذا تفعل الآداب الخاصة لكل مجتمعٍ على حِدة،
وهذه القوة تعدُّ من أكبر مقومات السلوك الإنساني، ومجتمع المؤمنين لا يخلو من مثل
هذه الآداب، بل آدابه أكثر وأدقُّ من غيره من المجتمعات، ودون شكٍّ هذه حالةٌ
إيجابيةٌ إجمالا، ولا بدَّ من الحفاظ عليها وتنميتها وتقويمها، كي نتمكَّن من
المحافظة على نظام المجتمع واستقامته.
من الأمور الرادعة لنفس الإنسان عن ارتكاب
الأفعال المُخجِلة، الانتساب إلى جهةٍ ما، وكلُّنا على أيِّ حالٍ ننتسب إلى جهةٍ
ما، وكلما علا شأن هذه الجهة وارتفع مقدارها كلما زاد تأثيرها، وكلما زاد تعلُّقنا
بهذه الجهة كلما زاد أثرها في أنفسنا، ومن أوضحها انتسابنا للأبوين والعائلة،
فكثيرًا ما يمتنع الإنسان عن بعض الأفعال مراعاةً لأبويه وعائلته، كي لا يجعلهم عُرضةً
للذمِّ والشتم والاستنقاص وغير ذلك، فالمانع من الفعل هنا لم يكن ما سيتعرَّض له
كفرد، إنما كان الجهة التي ينتسب إليها، ولولاها لما اكترث بما سيجري عليه ويترتَّب
على فعله. وكذا يترك الانتساب للبلدة، والانتساب للمعلِّم، ولفئةٍ أو مجموعةٍ ما
أثره، ويشكِّل رادعًا اجتماعيًا مهما.
يرتفع مقدار المراعاة ويبلغ أعلى مراتبه إذا
وصل لحدِّ المساس بالعقيدة، لا سيَّما إذا كان الانتساب للرسول الأعظم محمَّدٍ وآل
بيته (صلوات الله عليهم)، فهذه المرتبة هي العليا في مراتب الانتساب للمخلوقين،
ومن شأن هذا الانتساب أن يشكِّل أكبر مصدر ردعٍ للإنسان عن الأخطاء، وأكبر مفخرةٍ
يمكن أن يبلغها في هذه الحياة، لكننا مع ذلك نجد بعض المنتسبين لهذا النهج الشريف
لا يؤدُّون حقه، ولا يكترثون للحقوق الثقيلة المترتبة على هذا الانتساب. وقد بيَّن
الإمام الصادق (عليهم السلام) هذه المسألة بما يجعل المؤمن في خجلٍ شديدٍ من نفسه
كلما أخطأ وانتبه لحجم الألم والأثر السلبي الذي ينال سادَتَهُ من آل بيت محمَّدٍ
(صلوات الله عليهم):
عن أبي أسامة زيدٍ الشَّحام، قال: قال لي أبو
عبد الله (عليه السلام): اقرأ على من ترى أنَّه يُطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام،
وأُوصيكم بتقوى الله عزَّ وجل، والورعِ في دينكم، والاجتهادِ لله، وصِدقِ الحديث،
وأداءِ الأمانة، وطولِ السجود، وحسنِ الجوار، فبهذا جاء محمَّدٌ (صلى الله عليه
وآله)، أدُّوا الأمانة إلى من ائتمَنَكم عليها برًّا أو فاجرا، فإنَّ رسول الله
(صلى الله عليه وآله) كان يأمر بأداء الخَيطِ والمِخْيَط. صِلُوا عشائركم، واشهدوا
جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدُّوا حقوقهم، فإنَّ الرجل منكم إذا وَرعَ في دينه، وصَدَقَ
الحديث، وأدَّى الأمانة، وحَسُنَ خُلُقه مع الناس، قيل: هذا جعفري، فيسرُّني ذلك
ويدخل عَلَيَّ منه السرور، وقيل: هذا أَدبُ جعفر، وإذا كان على غير ذلك دَخلَ عليَّ
بلاؤه وعاره، وقيل: هذا أدبُ جعفر، فوالله لحدَّثني أبي (عليه السلام)، أنَّ الرجلَ
كان يكون من القبيلة في شيعة عليٍّ (عليه السلام) فيكون زَينَها، آدَاهُم للأمانة،
وأَقضَاهم للحقوق، وأصدقَهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تُسأَلُ العشيرةُ عنه،
فتقول: من مِثلُ فلان، إنَّه لآدَانَا للأمانة وأَصدَقُنا للحديث. ]الكليني، الأصول من الكافي، ج٢، كتاب العشرة،
باب ما يجب من المعاشرة، ح٥[.
ينبغي للمؤمن السعي في أن يكون زَينًا لهم،
ولا يكون شينًا عليهم، أن يُدخِل عليهم السرور، ولا يُدخِل عليهم العار، فمن ينتسب
لمحمَّدٍ وآل محمَّدٍ (صلوات الله عليهم) لا يصحُّ منه ارتكاب ما يرتكبه غيره من
الذنوب والمعاصي والخطايا، فإن الحَسنَ من المُوالي أحسنُ لقربه منهم، والسيء منه
أسوأُ لانتسابه إليهم، وهذا هو أكبر رادعٍ ينبغي أن يتقلَّده المؤمن ولا يغفل عنه
ما استطاع.
محمود سهلان العكراوي
الجمعة ٢٢ شوال ١٤٤٢هـ
الموافق ٤ يونيو ٢٠٢١م
العكر الشرقي - البحرين
تعليقات
إرسال تعليق