الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثامن والعشرون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الثامن
والعشرون:
تتمة الكلام في
الرواية السابقة:
مَن يكون مِن أولي
الألباب يكتفي بمثل الملاحظات التي ذكرها الإمام (عليه السلام)، فإنه يرى بوضوحٍ
أنَّ كلَّ شيءٍ يؤثِّر في غيره، سواء كان على المستوى التكويني أو غيره، وهذا
التأثير الواضح دليلٌ على وجود واضعٍ له.
قال (عليه السلام):
"ملك الله القاهر". في الواقع تنقسم المِلكية إلى حقيقيةٍ
واعتبارية، والمِلكية الحقيقية تعني عدم زوال مِلك المالك، أما الاعتبارية فتنتقل
وتزول، ومِلك الله تعالى حقيقي، قال تعالى: {إنَّا لِلهِ وإِنَّا إِليهِ رَاجِعُون}
]البقرة/١٥٦[،
فنحن وكلُّ ما نملك هو بيد الله يتصرَّف فيه كيف يريد، فانظر مثلًا ما يفرض الله
على العباد في شهر رمضان من أمور، فيمتنع الزوج عن زوجه، ويمتنع عن أكل وشرب ما
يملك، وغير ذلك، فمِلكه تعالى قاهرٌ لكلِّ مِلكٍ اعتباري، وأولو الألباب يُدركون
هذه المسائل.
قال (عليه السلام):
"جلال الربِّ الظاهر"، والجلال هو العظمة المتناهية التي لا
يعلوها شيء، فمهما ارتفع الأمر في الجانبين الإيجابي والسلبي فإنَّ الإنسان يشعر
ويعلم بوجود قوةٍ أعلى، فحتى لو تجبَّر وبلغ أشدَّ ما يمكن فإنه يعلم بذلك، ولذلك
هو يتحصَّن ويحتاط، ومهما تعرَّض الفرد للمصيبة أو الذلَّة يبقى يتعلق أمله في شيءٍ
يخرجه ممَّا هو فيه، وهذا الشعور موجودٌ عند كلِّ إنسان. وهذا الجلال ظاهرٌ فمَن
لا يلتفت إليه فهو أعمى بصرٍ وبصيرة.
قال (عليه السلام):
"ونور الربِّ الباهر"، فإنَّ أصل هذا الوجود نور، وكلُّ شيءٍ في
هذا الوجود دالٌّ على وجود الله تعالى، والنور مصدر العلم والمعرفة والوجود،
فبالنظر في هذه الموجودات نرى نور الله تعالى ووجوده.
قال (عليه السلام):
"وبرهان الربِّ الصادق". إنَّ أخشى ما يخشاه العقلاء موجات
الحداثة وتيَّاراتها، ونحن في الحوزة نحاول دائمًا معالجة أيّ احتمالٍ لحدوث
تضارباتٍ بنفس الطالب، فنتحدَّث كثيرًا وبشدَّةٍ عمَّا يخالف طبيعة الإنسان، فمن
يتصوَّف مثلًا ثم يريد أنْ يعيش الحياة الطبيعية للإنسان، نقول: هذا غير ممكن،
وهذه التناقضات من أسوء ما يُخشى على الإنسان، فالانحرافات التي تبتني عليها تكون
شديدةً جدا.
وعندما نخرج من
الذات ونراقب هذا الوجود نجده يسير على قانونٍ لا يمكن أنْ يتغير، وعندما يعبث
الإنسان في هذه الدنيا فهو لا يعبث بالقانون بل بالمسارات المبنيَّة عليه، فأراد
الله تعالى للإنسان أنْ يسير بمسارات معينة، وأيّ خروجٍ عنها لا يخرجه عن القانون
لكنه يغيِّر مساراته. فكلُّ شيءٍ يسير في قانونٍ جعله الله مُحكمًا ومحكَّما، فهذه
الجهة بالذات دالَّةٌ صادقةٌ على وجود الله تعالى.
تعليقات
إرسال تعليق