الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الخامس والعشرون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الخامس
والعشرون:
]٣٤[ الرواية الثانية: وعن محمَّد بن أبي عبد الله، عن محمَّد بن
إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسن بن سعيد، قال: سُئِل أبو
جعفرٍ الثاني (عليه السلام): يجوز أنْ يُقال لله إنه شيء؟ قال: نعم، يُخرِجه عن
الحدَّين، حدُّ التعطيل وحدُّ التشبيه.
هناك
أمور في قضايا العقيدة لازمة، إنما أراد الإمام إظهارها لا التأسيس لها، من ذلك
مثلا: أنَّ مجرد السؤال دليلٌ على وجود الله، فكلما ثبت لديك نقصٌ دلَّ على وجود
الله، وسؤالك عن شيءٍ دليلٌ على نقصك وعلى أنك مُحاطٌ بك، وهذه هي طبيعة المحدود،
ولا يكون الشيء محدودًا إلا في قبال ما لا حدَّ له. ودليل ذلك برهانيٌّ وهو بُطلان
التسلسل، حيث إنَّ كلَّ مُحاطٍ مُحاطٌ بما يُحيط به ويتسلسل ما لم نقل باللا
محدود، وكلما سألنا وتصاعدنا في الأسئلة والإجابة ولم نصلْ للمُحيط مطلقًا بكلِّ السائلين
وقعنا في التسلسل وهو باطل، ولازم هذا وجود المطلق.
المشكلة
أنه وبالرغم من أنني أسأل وفيه إقرارٌ بنقصي إلا أنني أنتهي إلى قياس المطلق على
الناقص، فإما أن أشبِّه أو أعطِّل، ومرجعه للقياس على الناقص.
الله
سبحانه وتعالى عالمٌ محيطٌ بكلِّ شيء، وعالمٌ بمآل الأمور، أما الإنسان فهو محتاجٌ
فلا بد له أن يتحرك لسدِّ هذه الحاجة. إذًا -كما يقع البعض في الإشكال- الله لا
يفعل شيئًا لأنه غير محتاج، وبالتالي فحياتنا كلها وهمٌ في وهم، وهذا هو حدُّ
التعطيل.
الحدُّ
الثاني هو حدُّ التشبيه، فيقيس الإنسان الله على المخلوقات، ويحاول بعض المحاولات
بالاعتماد على تصوُّراته وقياساته، فيقول مثلا: أنه يجعل قدمه في النار، أو أنه
ينزل إلى السماء الأولى، وغيرها من المقولات الباطلة.
هذا
التنزيه في الرواية عن هذين الحدَّين هو دفع الأضداد مع الإقرار بأنه شيء، وقوله
(عليه السلام): "يخرجه من الحدين" يعني أنه يُخرج ما في ذهنه عن
الله.
]٣٥[ الرواية الثالثة: وعن
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفُقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي
عبد الله (عليه السلام) في حديث، قال: ولكنَّا نقول: كلُّ موهومٍ بالحوَّاس مُدرَكٌ
تحدُّه الحواس وتُمثِّله، فهو مخلوق، إذ كان النفي هو الإبطال والعدم، والجهة
الثانية التشبيه، إذ كان التشبيه هو صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف، فلم يكن
بدٌّ من إثبات الصانع لوجود المصنوعين والاضطرار إليهم أنهم مصنوعون وأن صانعهم
غيرُهُم وليس مثلَهُم، إذ كان مثلُهُم شبيهًا بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما
يجري عليهم من حدوثهم، إلى أن قال: ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه،
لأن مَن نفاه فقد أنكره ودفع ربوبيته وأبطله، ومن شبَّهَه بغيره فقد أثبته بصفة
المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقُّون الربوبية.
قاعدة:
كل ما نتوهَّمه بالحواس مُدرَكٌ بها فهو مخلوق.
المرتبة
الأولى هي الإدراك الإجمالي، وهذا لا يكون إلا بعد أن يكون محدودًا في ذهني بجنسه
وفصله القريبين حتى لو لم أُميِّزهما، وأما المُمتنع عن الإدراك لا يمكن أن يُتوهَّم،
فكلُّ مُدركٍ محدَّدٌ بتحديدات تعريفية، ونفي الماهية هي الإبطال والعدم، وهذا هو
حدُّ التعطيل.
أما في
حدِّ التشبيه فنقول: يمكن لي أن أركِّب صورًا لرجلٍ بعدَّة رؤوسٍ وعدَّة أيد، وهو
مجموع صورٍ ذهنيةٍ فهذا ممكن، وإن لم يقع في الخارج، وتركيب الإله بهذه الكيفية
باطل، ولمَّا وجدنا أن المخلوقين على هذه الهيئة من التركيب عرفنا أنه لا بد من
وجود الخالق.
تنبيه:
ما هو المراد بنفي الصفات عنه؟ المقصود بها نفي الصفات العارضة عنه، كالتي تعرض
على الإنسان من طولٍ وقِصرٍ وغيرهما، فإذا قلنا صفاته عين ذاته لا تناقض فيه،
فالمسألة راجعةٌ لضيق العبارة، فلو لم نستعمل لفظ (صفة) ماذا نستعمل غيره؟
هذه الرواية محلُّ الكلام مفصِّلةٌ للرواية السابقة.
تعليقات
إرسال تعليق