الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السادس والعشرون

 


تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال السادس والعشرون:


[٣٦] الرواية الرابعة: قال الكليني: وسُئِل أبو جعفرٍ (عليه السلام) عن الذي لا يُجتزى بدونه من معرفة الخالق؟ فقال: ليس كمثله شيءٌ ولا يُشبهه شيء، لم يزلْ عالمًا سميعًا بصيرا.

 

هذه الرواية متعقِّبة لروايةٍ مسندةٍ إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) في الكافي. وهنا مسائل:

 

الأولى: لو كان عندي عشرُ رواياتٍ تتحدث عن حكمٍ واحدٍ لموضوعٍ واحد، وبدأت أناقش كلَّ روايةٍ على حدى، فوجدت الأولى مرسلة، والثانية فيها رجلٌ ضعيف، والثالثة تحوي المجاهيل، وهكذا بقية الروايات، بهذه الطريقة أنتهي إلى صفرٍ من الروايات. ولكن لو قلت أنَّ عندي طرقٌ متعددةٌ تتحدث عن موضوعٍ واحدٍ بأحكامٍ متوافقةٍ كالوجوب والاستحباب مثلا، ومع ما في أسنادها من مشكلاتٍ ألا يعطي ذلك احتمالًا أنَّ الموضوع تحدث عنه أهل البيت (عليهم السلام)؟ هذا ما يسمى بفقه الحديث. هذا إذا كنت ممَّن يحاسب الروايات بمعيار السند فقط، وإلا فسقوط السند ليس إلا فقدانٌ لواحدةٍ من المعايير والقرائن المرتبطة بقوة الحديث، لا كلَّ القرائن، وهذه الرواية التي ذكرها الشيخ الكليني تتحدث عن نفس الموضوع الذي ذكره في الرواية التي سبقتها عن الكاظم (عليه السلام) كما قلنا. والروايتان جاءتا في عصرين مختلفين، فالأولى في زمن الكاظم (عليه السلام) والثانية في زمن الجواد (عليه السلام) كما يبدو، ولو رفضنا الرواية الثانية للإرسال لفقدنا مادَّةً علميةً تاريخية.

 

الثانية: يرى العلماء أنَّ الإرسال عيبٌ في السند، بل هو عيبٌ خطير، فالإرسال يجعلنا نتساءل كيف وصلت الرواية للمرسل؟

الآن نسأل: لماذا نقل المحمَّدون الثلاثة الروايات المرسلة في كتبهم، مع أنهم في عدَّة أماكن من كتبهم ناقشوا الروايات بالإرسال والمشاكل السندية؟

ينبغي الالتفات أنَّ الإرسال حاله ليس واحدًا من كلِّ رجل، فإنْ أرسل الثقة قد يكون ذلك من مصلحة الرواية أكثر من الإسناد لأنه يعلم أنَّ الإرسال عيب، لكن هذا الثقة بإرساله كأنه يقول أنا قمت بمهمة التحقيق في السند وكفيتكم المُؤنة، بخلاف ما لو كان المُرسِل ضعيفًا أو مجهولًا أو ما شابه.

 

الثالثة: الرفع: هو أنْ يرفع الراوي قيمة الحديث برفعه إلى من يدَّعيه أو إلى الإمام (عليه السلام) مباشرة، وكذا من عبَّر بـ (قال) فهذا التعبير بقوة الرفع، ومثل ذلك ما قيل في الشيخ الصدوق من التفريق بين قوله (قال) وبين قوله (قيل) أو ما شابه، ولا بد من ملاحظة أنَّ الطعن في الرفع هو طعنٌ في الراوي فتأمل.

 

تنبيه: نعم، قد ترفض الرواية المرسلة بالنظر لمبنى الفقيه في المسألة، لكن تكذيبها مشكل.

 

الرابعة: طاهر بن حاتم، وكذلك علي بن حمزة البطائني، وكذا غيرهما انحرفوا عن الجادة، ولكن يوجد لدينا أكثر من رواية تُفيد معنى خذوا ما رَوَوا حال استقامتهم، فلا ينبغي أنْ نضرب الرواية مباشرةً حال وجود رجلٍ منحرفٍ في سندها، بل نحتاج للمراجعة وملاحظة زمن انحرافه وغيرها من الحيثيات.

 

في السؤال: (الذي لا يُجتزى بدونه في معرفة الخالق)، وهو الأمر الذي مهما عرفت من المعارف لا يفيد شيئًا ما لم تعرفه.

في تتمة الرواية، نقول: مرَّ الكلام في ليس كمثله شيءٌ ولا يشبهه شيءٌ فراجع.

أمَّا في قوله (عليه السلام): "لم يزلْ عالمًا سميعًا بصيرا" فنُمهِّد بالتالي: هناك مسألةٌ تطرأ كثيرًا في الذهن، وهي: أنا كإنسان أتحدث وأسكت وأتحدث وأسكت وهكذا، فهل هذا الكلام والسكوت يتردد على الله بمعنى أنه يعرض عليه مثلنا؟

مثالٌ لتقريب المسألة: عندما خرج الفضائيون خارج الخلاف الجوي صارت العين لا حاجة لها، فإذا أغمضوا عيونهم يرون ما تراه العين والحال أنها مغلقة، وقد قلنا في دروسنا أنَّ الجوارح من شأنيات هذه النشأة، وبخروجك من هذه النشأة تكون الجوارح لا معنى لها فالعقل هو الذي يرى، لكنك محجوبٌ في هذه النشأة فتحتاج للجوارح. فما نحتاج لبيانه بالتلفظ والكتابة، وكذا المعلوم عندنا، كله حاضرٌ عند الله، وشأنيات هذه الدنيا كلها حاضرةٌ عند الله تعالى كذلك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون