الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السابع والعشرون

 


تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال السابع والعشرون:


[٣٧] الرواية الخامسة: وعن علي بن محمَّد، ومحمَّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن بِشر بن بشَّار، قال: كتبتُ إلى الرجل: أنَّ من قِبلنا قد اختلفوا في التوحيد، منهم من يقول: جسم، ومنهم من يقول: صورة، فكتب إلي: سبحان من لا يُحدُّ ولا يوصف ولا يشبهه شيءٌ وليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير.

 

قد يُتوهَّم أنَّ المقصود من قول بِشر: "أن من قبلنا"، يراد به الشيعة، لكنه ليس كذلك بالضرورة، فالمقصود مَن هم بجوارهم أو محلَّتهم أو ما شابه، ويدلُّ عليه بعض الروايات التي وردتْ فيها نفس العبارة وكان المقصود منها أبناء العامَّة.

المقصود من قوله (عليه السلام): "لا يحد" أنه لا يميَّز بحدٍّ عن غيره، وإنْ كان غيره يميَّز عنه. أما باقي المعاني الواردة في الرواية فقد مرَّ بيانها.

 

[٣٨] الرواية السادسة: المفضَّل بن عمر في كتاب التوحيد الذي رواه عن الصادق (عليه السلام) في حديثٍ طويلٍ قال في صفة الله: لم يستترْ بحيلةٍ يخلُص إليها كمن يحتجب عن الله بالأبواب والستور، وإنما معنى قولنا إنه استترَ أنه لطُف عن مدى ما تبلغه الأوهام كما لطُفت النفس وهي خلقٌ من خلقه وارتفعت عن إدراكها بالنظر، إلى أنْ قال: لأنه لا يليق بالذي هو خالق كلِّ شيءٍ إلا أنْ يكون مباينًا لكلِّ شيءٍ متعاليًا عن كلِّ شيء، سبحانه وتعالى.

 

المراد من الحيلة ليس الخديعة كما قد يتبادر للبعض، بل المراد أنْ يجد لنفسه حلًّا لأمرٍ يريده، فيصنع أمرًا زائدًا يحقِّق به غرضه، وهو هنا الاستتار.

أمَّا القرب من الله فيقُرب المخلوق من الله تعالى كلما خلُص له، وليس القرب ماديًا كما هو واضح.

نعم، يدرك الإنسانُ الله لكن لا كإدراكه لسائر المخلوقات بالحواس، فالله سبحانه وتعالى بعُد فلا تدركه الأبصار وقرُب فسمع النجوى، وكلما اقترب العبد من الله ميَّزه لكن لا بالحواس والأوهام، فالبُعد والاستتار إنما هو عن الأوهام، وقال: "لطف" أي امتنع عن التمييز. ومثَّل الإمام (عليه السلام) للُّطف بالنفس مع أنها خلقٌ من خلق الله، لأنها ارتفعت عن مدركات البصر.

قوله (عليه السلام): "لأنه لا يليق بالذي هو خالق كلِّ شيءٍ إلا أنْ يكون مباينًا لكلِّ شيءٍ"، وإثبات المباينة مطلقًا يثبت عدم إمكان إدراكه، لأنَّ الممايزة والمقارنة تعتمد على التمييز عن المجانِس له كما هو حال الأجسام، فيمكننا إبصارها لوجود حجمٍ وحدٍّ لها ويمكن ممايزتها عن غيرها مما يجانسها.

 

أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما يناسبها - ب١١ - أنَّ كلَّ مخلوقٍ دالٌّ على وجود خالقه وعلمه وقدرته وأنَّ لنا أنْ نستدلَّ بذلك:

 

معنى الباب أنه يمكن الاستدلال على الخالق عن طريق المخلوق، وهي قاعدةٌ في الاستدلال العقائدي، وسننظر في الروايات المذكورة إنْ كنَّا نتمكَّن من استفادة هذا منها.

 

[٣٩] الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، قال: حدثني عدَّةٌ من أصحابنا، عن أحمد بن محمَّد البرقي، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان، عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد الزهري، عن أبي جعفرٍ (عليه السلام)، قال: كفى لأولي الألباب بخلق الربِّ المسخَّر وملك الربِّ القاهر وجلال الربِّ الظاهر ونور الربِّ الباهر وبرهان الربِّ الصادق وما أنطق به ألسن العباد وما أرسل به الرسل وما أنزل على العباد، دليلًا على الربِّ عزَّ وجل.

 

هناك فرقٌ بين قولنا (أولو الألباب) وقولنا (أولو العقول)، فأولو الألباب هم أولو العقول الراجحة، لا أيَّ عقول، فهم الذين تخلَّصوا من أيِّ تأثيرٍ غير العقل في فهمهم، فكلُّ قواهم تكون مع عقولهم.

قد يُشكَل بأنَّ الإمام (عليه السلام) كأنه قال: إذا لم تلتزم بما قلتُ فأنت لستَ من ذوي الألباب، لكن الأمر ليس كذلك، إنما كلامه تحفيزٌ لبلوغ هذه الدرجة.

أمَّا قصده ممَّا ذكره من أدلةٍ بقوله: "بخلق الرب المسخر وملك الرب القاهر ... دليلا على الرب عز وجل"، فهو أنَّ هذا طريقٌ للاستدلال على وجود الرب.

 

تنبيه: الكلام بشكلٍ عامٍّ يختلف فهمه بحسب المتلقي، فقد يفهمه من أول مرةٍ ويعجب به كما هو حال أولي الألباب مع كلام الإمام المذكور، وقد يحتاج للإعادة والتوضيح، وقد يأتي من يُشكِل ويعارض حتى لو كان الكلام في نفسه واضحا.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون