الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الرابع والعشرون

 


تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال الرابع والعشرون:

 

]31[ الرواية الثالثة: وعن عبد الواحد بن محمَّد بن عُبدوس، عن علي بن محمَّد بن قُتيبة، عن الفَضْل بن شاذان، قال: سأل رجلٌ من الثنويَّة أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) وأنا حاضر، فقال له: إني أقول: إنَّ صانع العالم اثنان، فما الدليل على أنه واحد؟ فقال: قولك إنه اثنان، دليلٌ على أنه واحد، لأنك لم تدَّع الثاني إلا بعد إثباتك للواحد، فالواحد مُجمعٌ عليه، وأكثر من واحدٍ مختلفٌ فيه.

 

جواب الإمام مسكتٌ للسائل كفردٍ بلا شك، لكنه جوابٌ جدليٌّ بالمستوى الأول على قدر السائل، وهو -في الواقع- جوابٌ يفيدنا في مسألة أصالة البراءة، فالأول القدر المتيقَّن والثاني يحتاج إلى دليل.

 

ولكنْ، هذه الرواية لا تصلح للإدراج في كتاب الفصول لأنها لا تُعطي قاعدةً كلِّيةً في بابها، فلو ناقش السائلُ الإمامَ (عليه السلام) لانتقل الإمام لمستوًى آخر من الجدل والجواب.

 

]32[ الرواية الرابعة: وعن جعفر بن علي بن أحمد الفقيه، عن عَبدان بن الفضل، عن محمَّد بن يعقوب بن محمد الجعفري، عن محمَّد بن أحمد بن شُجاع الفَرْغاني، عن الحسن بن حَمَّاد العنبري، عن إسماعيل بن عبد الجليل البرقي، عن أبي البختري وَهْب بن وَهْب القُرَشي، عن الصادق عن آبائه (عليهم السلام) في حديث: أنَّ عليًا (عليه السلام) قال: رأيت الخَضِرَ في المنام قبل بدرٍ بليلة، فقلت له: علِّمني شيئًا أُنصَر به على الأعداء، فقال: قل: يا هو، يا مَن لا هُوَ إلا هُو، فلمَّا أصبحت قَصَصتُها على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال لي: عُلِّمتَ الاسم الأعظم، إلى أنْ قال: قال الباقر (عليه السلام): الأحد الفرد والأحد والواحد بمعنًى واحد، وهو المُنفرِد الذي لا نظير له، والتوحيدُ الإقرارُ بالوَحدة وهو الانفرادُ والواحدُ المتباين الذي لا ينبعث من شيءٍ ولا يتَّحِد بشيء، ومن ثَمَّ قالوا: إنَّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد، لأنَّ العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين.

 

قال (عليه السلام): "الأحد الفرد والأحد والواحد بمعنًى واحدٍ". نحن نقول أنَّ الواحد يختلف عن الأحد فهل قول الإمام (عليه السلام) أنهما بمعنًى واحدٍ فيه إشكال؟

 

كلَّا لا إشكال فيه ولا ينقض ما نقول فهما بمعنًى واحد، مع اختلافهما في حيثيةٍ معيَّنةٍ، فالأحد يطرد غيره فلا يكون له ثانٍ، والواحد لا يطرد غيره.

 

قال (عليه السلام): "والواحد المتباين…" أيْ الذي لا يقبل قُرب أحدٍ مطلقًا.

 

قال (عليه السلام): "إنَّ بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد، لأنَّ العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين". لا يكون الله بما أنه واحدٌ في عَرضِ هذا الوجود لأنَّ الواحد ليس من الأعداد، فهي تبدأ من الاثنين، ولولا هذا الواحد لما وُجِد هذا الوجود.

 

من القواعد التي وردت في الرواية:

 

1-   التوحيد هو الإقرار بالوَحدة.

2-   الله تعالى متباين، لا ينبعث من شيءٍ ولا يتحد بشيء. وهي راجعةٌ للقِدَم والتباين.

 

الباب العاشر من أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما يناسبها – أن الله سبحانه لا يشبهه شيء من المخلوقات في صفة ولا ذات ولا يشبه شيئا منهم:

 

]33[ الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمَّد بن عيسى، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، قال: سألت أبا جعفرٍ يعني الثاني (عليه السلام) عن التوحيد، فقلت: أَتوهَّم شيئا؟ فقال: نعم، غيرَ معقولٍ ولا محدود، فما وَقَعَ وَهمُك عليه من شيءٍ فهو خِلافه، لا يُشبِهه شيءٌ ولا تُدرِكه الأوهام، وهو خِلافُ ما يُعقَل وخِلافُ ما يُتصوَّر من الأوهام، إنما يُتوَهَّم شيءٌ غيرُ معقولٍ ولا محدود.

 

سُئل الإمام عن إمكان توهُّم الله تعالى فأجاب بنعم، لكنه بيَّن طبيعة هذا التوهُّم، وقال "غير معقولٍ" أي لا يتصوَّره الذهن، "ولا محدودٍ" أيْ لا جنس له ولا فصل.

 

طبيعة تفكير الإنسان قائمةٌ على المقارنة والمقايسة ودونهما يتعطَّل التفكير، وهي مسألةٌ مهمَّةٌ في كلِّ العلوم، لذلك لا نقبل القول أنَّ الذهن يكون صفحةً بيضاء عند ولادة الإنسان، على تفصيل في محلَّه.

 

طبيعة العلم الذي تتوهَّم به الله هي الطَّرد، فهو يطرد كلَّ متوهَّمٍ ومحدود، فالله تعالى هو الضد الثابت وباقي الأضداد مفروزةٌ عنه بالضرورة.

 

قال (عليه السلام): "ولا تدركه الأوهام وهو خلاف ما يُعقل"، فهل هو يُدرك وننفي إدراك الأوهام له؟

 

في مقام الجواب نقول: الفروض التي نفرضها على ضربين:

 

الأول: أنْ نفرض فرضًا ممكنًا فنثبت آثاره ولوازمه إنْ وُجِد.

الثاني: أنْ نفرض محالًا لنثبت استحالة لوازمه وآثاره.

 

الآن نقول -والفرض من القسم الثاني-: لو كان هناك وجودًا أعظمَ من الله تعالى لأدركه، ولكنَّ إدراكه ممنوعٌ على مَن هو دونه، ولا يوجد ما هو أعظم منه، فلا يمكن إدراك حقيقته.

 

تنبيه: عدم توهُّمه وإدراك حقيقته، لا ينفي عنه الشيئية، وهو أمرٌ وقع فيه البعض فأوقعه في بعض الانحرافات.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون