الإمام الحسين عليه السلام وخصوصية الولادة

الإمام الحسين عليه السلام وخصوصية الولادة1


تميَّز الإمام الحسين عليه السلام عن غيره من الشخصيات العظيمة ببعض الخصائص والمميزات، فهو خامس أصحاب الكساء صلوات الله عليهم أي أنه آخرهم، فكان ختام مرحلةٍ وبداية مرحلةٍ أخرى، ونجد أن الإمامة استمرت في وِلده حتى وصلت للإمام المنتظر عجَّل الله فرجه، كذلك نجد واقعة كربلاء وطريقة استشهاده البشعة المؤلمة وكيف أنها صارت محورًا للدين كله بل للحياة كلها، كذلك نجد التأكيد من الرسول ثم الأئمة صلوات الله عليهم على فضل زيارته والدعاء تحت قبته والشفاء في تربته، بل وجعل بعض الأحكام الشرعية الخاصة عندما يتعلق الأمر بما يرتبط به عليه السلام، ومن أمثلة ذلك:
1-   جواز أكل مقدارٍ معينٍ من تربته بل وجعل الشفاء فيها، في مقابل حرمة أكل التراب مطلقا.
2-   رفع حكم التقية عندما يتعلق الأمر بزيارته بأمر الأئمة عليهم السلام عندما مُنع الشيعة من الزيارة إلا بشروطٍ قاسيةٍ تصل حدَّ القتل.
3-   خرق الحجب السبعة عند الصلاة على تربته دون غيرها.
وغير ذلك من الأمور التي لا يسع المجال للحديث عنها في هذا المقام.

التبشير بولادته عليه السلام بطريقة خاصة:

عندما نطالع الروايات، وأخصُّ بالذكر الروايات التي نقلها الشيخ جعفر ابن قولويه القمي في كتابه كامل الزيارات نجد بعض الروايات التي لا تخلو من الغرابة في قضية ولادة الإمام الحسين عليه السلام، وكيفية تبشير الرسول وأهل بيته صلوات الله عليهم بالولادة الشريفة، فهل سمعتم عن بشارةٍ بقتل الولد؟
أنقل روايتين في هذا الخصوص من هذا الكتاب، وأشير قبل ذلك لقيمة هذا الكتاب الذي بلغت حدَّ أن بعض العلماء وثَّقوا كل الرواة الذين ذُكرت أسماؤهم فيه، حتى لو ورد في كتب الرجال أنه مجهولٌ أو ما شابه، فهم يعتبرون هذا الكتاب صحيحًا من أوله لآخره.
الرواية الأولى: عن أبي عبد الله عليه السلام: إن جبرئيل (ع) نزل على محمدٍ (ص) فقال: يا محمد إن الله يقرأ عليك السلام ويبشرك بمولودٍ يولد من فاطمة (ع) تقتله أمَّتك من بعدك، فقال: يا جبرئيل وعلى ربي السلام لا حاجة لي في مولودٍ تقتله أمتي من بعدي، قال: فعرج جبرئيل (ع) إلى السماء، ثم هبط فقال له مثل ذلك، فقال: يا جبرئيل وعلى ربي السلام لا حاجة لي في مولودٍ تقتله أمتي من بعدي.
فعرج جبرئيل (ع) إلى السماء ثم هبط فقال له: يا محمد إن ربك يُقرؤك السلام ويبشرك أنه جاعلٌ في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال: قد رضيت.
ثم أرسل إلى فاطمة (ع) أن الله يبشرني بمولودٍ منك تقتله أمتي من بعدي، فأرسلتْ إليه أنْ لا حاجة لي في مولودٍ يولد مني تقتله أمتك من بعدك، فأرسل إليها إن الله جاعلٌ في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلتْ إليه أني قد رضيت... إلى آخر الرواية.2
الرواية الثانية: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخلت فاطمة (ع) على رسول الله (ص) وعيناه تدمع، فسألته: ما لك، فقال: إن جبرئيل (ع) أخبرني أن أمتي تقتل حسينا، فجزعتْ وشقَّ عليها، فأخبرها بمن يملك من وِلدها، فطابت نفسها وسكنت.3

ملاحظات على الروايتين:

1-   نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله يرفض الولد الذي بُشِّر بأنه يقتل على يدي أمته من بعده، وكذلك فعلت فاطمة عليها السلام في بادئ الأمر، فهل يُبشَّر الإنسان بولدٍ يقتل؟
2-   نلاحظ أيضًا أن قتل الحسين عليه السلام كما أشارت الرواية بعد الرسول صلى الله عليه وآله، وبذلك تنتفي أي حاجةٍ دنيويةٍ للرسول من بقاء الولد.
3-   رضي رسول الله صلى الله عليه وآله بالبشارة عندما قِيل له أن الإمامة والولاية والوصية تكون في ذريته، وكذلك رضيت فاطمة الزهراء عليها السلام.
4-   في الرواية الثانية بشارةٌ أخرى للزهراء عليها السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله، وهي إخبارها بمن يملك من وِلدها، وهو كما يظهر بشارةٌ بالإمام المنتظر عليه السلام ونصره وتحقيقه العدالة والخلافة الإلهية. فما هو الرابط يا ترى؟
من الواضح أن الرابط هو الإمام المقتول فإن القائم عجل الله فرجه الشريف من ذريته كما هو معلوم.
ويترتب على ما مر ما يلي:
1-   أن البشارة الحقيقية إنما هي في كون الإمامة والولاية والوصية في ذرية هذا الإمام المقتول (ع).
2-   أنهم عندما قبلوا ورضوا صلوات الله عليهم إنما قبلوا بما يؤول إليه الأمر من نصرةٍ للدين وإحقاقٍ للحق على يدي القائم عليه السلام الذي هو من وِلد الإمام الحسين الشهيد عليه السلام، وقبلوا أن تكون نصرة الدين عبر شهادته عليه السلام.
وعليه فإنهم إنما ضحوا بسيد شباب أهل الجنة من أجل الدين وإقامة أمر الله في أرضه وتحقيق الخلافة الحقة، ولم يكن القبول بالبشارة من أجل أي مطامع دنيوية شخصية.
فلننظر لحجم التضحية من أجل إقامة دولة الحق على يدي القائم، ونصرته قبل ولادته، ولنتعلم من ذلك التضحية بكل غالٍ ونفيس من أجل تهيئة الظروف لظهوره ومن أجل أن نكون من أنصاره وأعوانه.

الإمام الحسين عليه السلام بقاء الدين الحق:

مما ذكرناه ومن غيره كالمنقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "حسين مني وأنا من حسين"4، نعرف أن بقاء هذا الدين وامتداده إنما هو عن طريق هذا الإمام العظيم وبالخصوص عن طريق تضحياته وما بذله في كربلاء، وتوجيهات أهل البيت عليهم السلام لإحياء هذه الواقعة والتأكيد على زيارته في مختلف الأيام والمناسبات، من القرب أو البعد، وما نعيشه في كل عامٍ من اشتعالٍ وحرارةٍ في قلوبنا، وكيف أن ذلك يحيي الدين فينا، شاهدٌ كذلك على مدى أهمية هذه الواقعة وأهمية الدور الذي لعبه الإمام الحسين عليه السلام.

نقطة أخيرة:

يبدو أنه قد اتضح مما ذكرناه الحاجة الماسة لتسليط الضوء على سيرة الإمام الحسين عليه السلام من قبل ولادته إلى ما بعد استشهاده، أما الاكتفاء بنقل أحداث عاشوراء – مع أهميتها- لا يكفي، لذلك هي دعوةٌ لكل متمكنٍ خصوصًا من الخطباء الكرام للنظر في هذا الأمر لما له من أهميةٍ بالغة، خصوصًا في ترسيخ القدوة وشموليتها في وجدان الناس.
فمما يضيق له الصدر الاقتداء ببعض الشخصيات الغريبة عن عقيدتنا وثقافتنا وحمل صورها وتقليدها من أمثال الثائر تشي جيفارا، بينما نحن نعيش تحت عناية ورعاية خير خلق الله جميعًا أهل بيت محمدٍ صلوات الله عليهم أجمعين..

1/ مشاركتي في الاحتفال بذكرى ولادة الإمام الحسين عليه السلام من تنظيم جمعية نون الإسلامية في قرية العكر.
2/ كامل الزيارات، الباب 16، الحديث 6
3/ كامل الزيارات، الباب 16، الحديث 8
4/ كامل الزيارات، الباب 14، الحديث 11

محمود سهلان
ليلة 3 شعبان 1440هـ
مأتم آل حسين – قرية العكر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون