الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال الثامن والخمسون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال الثامن
والخمسون:
مسألةٌ تأسيسيةٌ
تتعلق بالدرس السابق:
الأصل أننا لا نحتاج
للتخاطب، ويمكن فهم هذا الأمر من خلال الوجودات الأربعة، فالوجود الأول هو الوجود
الحقيقي، كالوجودات الخارجية والأفكار في الذهن، فلو استطعنا نقل الحقائق كما هي
فلن نحتاج لأن نتكلم، بل لن نحتاج لأن نتخاطر بالأذهان، فلا نحتاج إلى دوال، لأن
المعاني كلها حاضرة، ثم أن المعاني موجودةٌ في الذهن، وهو الوجود الثاني، فلو
استطعت إيصال المعاني بلا كلامٍ فلا حاجة للكلام، لكننا لا نتمكن من إيصال كل ما
نريد للآخر عن طريق إحضاره أو إيصال الفكرة، فانتقلنا لوجودٍ أنزل، لكنه يأخذ
اعتباره من الأعيان الخارجية والصور الذهنية، وهذا هو الوجود اللفظي، واعتبار
اللفظ وقيمته إنما لكونه طريقًا يقع على المعنى المراد، ونتنزل أيضًا لوجودٍ رابعٍ
لأننا لا نتمكن من التخاطب باللسان دائما، وهو الوجود الكتبي، فصار اعتبار الوجود
الكتبي من اللفظ، واعتبار الوجود اللفظي من المعنى، فيكون هذا حاكيًا عن ذاك،
واعتبار الوجود الكتبي بالتالي راجعٌ للحقائق، ولكننا نستغني عنه إذا تمكَّنا من
نقل المعاني دونه، فهو ليس إلا طريقٌ للوصول للمعاني.
وبالتالي كل أداةٍ
تكتسب اعتبارها من الوجود الحقيقي يكون لها قيمتها، فتكون لها أحكامٌ تابعةٌ لذاك
الوجود الحقيقي، وفي الأمر تفصيلٍ له محله.
الآن نسأل: ما
العلاقة بين اللفظ وما يدل عليه اللفظ؟
إذا نَقَلَني
اللفظ إلى المعنى بلا تكلُّفٍ ولا سؤالٍ زائدٍ انتهى الأمر، ولا شأن لي باللفظ،
لكن الاضطرار للوجودين اللفظي والكتبي إنما هو لتعذر التخاطب بالأعيان الخارجية
والمعاني الحقيقية دون وجود طريقٍ يؤدي إليها، فعندما أراد الله تعالى أن يخاطب
الإنسان، يُفترض أن مجرد إرادة رب العالمين تُخطر المعنى في أذهاننا، لكننا لا
نحتمل ذلك ولا قابلية لنا، ولا يملك القابلية لها إلا من اصطفى كالأنبياء
والأوصياء (عليهم السلام)، أما نحن فنحتاج لما يناسبنا، إذ الله تعالى لا جهات له،
وهذا النفي جلاليٌّ لتنزيهه عن كل نقص، بخلافي أنا الإنسان، فلا أستطيع التفكير
إلا بالمقارنة والقياس والتمييز، وعندي الذات الإلهية، فأقول صفاته عين ذاته وأنفي
عنها الجهات، فيأتي الإمام (عليه السلام) فيقول هذه الصفات مخلوقة، فهي غير الذات،
والأمر الثاني أنها لحاجة الخلق إليها وإلا فمقام الذات الإلهية لا يحتاج إلى خلق.
ولكن لو افترضنا محالًا وذهبنا للأعلى ولا وجود إلا الله تعالى بلا خلق، فلا يأتي
الكلام مطلقًا عن العلم أو غيره من الصفات، لأنه لا يأتي الكلام فيه فلا موضوع
أصلا، ولما صار الخلق جاء الدور على التعرُّف على صفات الخالق، فنقول هو خالقٌ
قادرٌ عالمٌ وهكذا، فإذا جئت للمخلوق، وأردت أن أعبد الذي أوجد المخلوقات، فأتمسَّك
بالاسم لأنني لا أتمكن إلا بالممايزة، ومرَّ الكلام فيما يترتب على ذلك، وكيفية
الخروج من هذه الإشكالات كما أفاد أهل البيت (عليهم السلام).
أبواب الكلِّيات
المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب١٦ - أنَّ الله سبحانه أزليٌّ أبديٌّ سرمديٌّ
لا أول لوجوده ولا آخر له:
الأول والآخر يكون
بين المعدود، ومع الله تعالى لا معدود فنقول الأزل والسرمد إذ لا زمان، فالسؤال عمَّا
قبل الله سؤالٌ غير صحيحٍ لا قيمة له، حتى قوله أزليٌّ وسرمديٌّ هي مخلوقةٌ
والتعبير بها لضيق العبارة.
]٩٦[
الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد، عن الحسن
بن محبوب، عن أبي حمزة، قال: سأل نافع بن الأزرق أبا عبد الله (عليه السلام)،
فقال: أخبرني عن الله، متى كان؟ فقال: متى لم يكنْ حتى أُخبِرك متى كان، سبحان من
لم يزلْ ولا يزال فردًا صمدًا لم يتَّخذ صاحبةً ولا ولدا.
الكلمات الأولى من
الجواب كانت كافية، ولكن الإضافة في ختام الرواية وهي قوله (عليه السلام): "فردًا
صمدًا لم يتخذ صاحبةً ولا ولدا"، كانت لأن السائل نظر للمخلوق ونشأ عنده
هذا السؤال، فأراد الإمام (عليه السلام) رفع هذه الشبهة من ذهنه، وقد اختار (عليه
السلام) خصوص صفات (فردا صمدا...) لأنها بخلاف الواقع الخارجي الذي نراه، حتى
الشجرة والحيوان والجماد لا تراها منفردة، دائمًا ما تكون في حالِ مُحتاجٍ
ومتوالد، وهو منشأ سؤاله، والمراد فصله عن هذا الواقع عن طريق النفي عن الله
وتنزيهه.
]٩٧[
الرواية الثانية: وعنه، عن أحمد بن محمَّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم
بن محمَّد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، قال: جاء رجلٌ إلى أبي جعفرٍ (عليه
السلام) فقال له: أخبرني عن ربك متى كان؟ فقال: وَيلَك إنَّما يُقال لشيءٍ لم يكن،
متى كان، إنَّ ربي تبارك وتعالى كان ولم يزلْ حيًّا بلا كيف، إلى أنْ قال: لا يُحدُّ
ولا يُبعَّضُ ولا يَفنى، كان أولًا بلا كيفٍ ويكون آخرًا بلا أين ...، الحديث.
الذي لم يكن مظروفًا
للزمان فهو ليس بمخلوق، والاستدلال هنا قائمٌ على نفي الكيفية، وهي من المقولات،
وبنفي حدِّه ورسمه، فكل ما وقع عليه وهمك فهو على خلافه.
]٩٨[
الرواية الثالثة: وعن عدَّةٍ من أصحابنا، عن أحمد بن محمَّد بن خالد، عن أبيه،
رفعه في حديث، أنَّ رجلًا قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): أسألك عن ربك متى
كان؟ فقال: كان بلا كينونية، كان بلا كيف، كان لم يزلْ بلا كمٍّ ولا كيف، كان ليس
له قبل، هو قبل القبل بلا قبلٍ ولا غايةٍ ولا منتهى، انقطعت عنه الغاية وهو غاية
كل غاية.
المنفيات في
الرواية راجعةٌ للمقولات العشر فهنا نفيٌ للعوارض عنه.
لا تدركه الغايات
بالرغم من أنه غاية كل غاية، وأنت في تعليمك وتحصيلك مُغيًّا إلى الله تعالى، فهو
غايتك، لكنها غايةٌ لا تدرك، لكنك تصل إلى الغاية لا إلى غاية الغايات.
هذا النوع من
الأسئلة عادةً تكون من الزنادقة، في سعيٍ منهم لإعجاز الإمام (عليه السلام)، أما
المؤمنون لم يكونوا يسألون مثل هذه الأسئلة. أما نحن فنستفيد منها اليوم، لأن
أمثال هؤلاء موجودون، ونعايش اليوم مثل هذه الأفكار والأسئلة.
]٩٩[
الرواية الرابعة: وعنهم، عن أحمد بن محمَّد، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نصر، عن أبي
الحسن الموصلي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، أنَّ رجلًا قال لأمير
المؤمنين (عليه السلام): متى كان ربك؟ فقال: ثكلتك أمك، ومتى لم يكن؟ حتى يُقال
متى كان، كان ربي قبل القبل بلا قبل، وبعد البعد بلا بعد ولا منتهى لغايته، انقطعت
الغايات عنده فهو منتهى كل غاية.
]١٠٠[
الرواية الخامسة: وعن علي بن محمَّد، عن سهل بن زياد، عن عمرو بن عثمان، عن محمَّد
بن يحيى، عن محمَّد بن سماعة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث، أنَّ رجلًا
قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): متى كان ربنا؟ فقال: إنما يُقال متى كان لمن لم
يكنْ ثمَّ كان، إلى أنْ قال: كيف يكون له قبل؟ هو قبل القبل بلا غايةٍ ولا منتهى
غايةٍ ولا غاية إليها، انقطعت الغايات عنده وهو غاية كل غاية.
الروايتان الرابعة والخامسة حالهما كما مرَّ في الروايات الثلاث السابقة.
تعليقات
إرسال تعليق