الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال التاسع والخمسون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال التاسع
والخمسون:
أبواب الكلِّيات
المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب١٧ - أنَّ الله سبحانه لا مكان له ولا يحل
في مكان:
]١٠١[
الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن عليِّ بن محمَّد رفعه، عن زرارة، قال: قلت
لأبي جعفرٍ (عليه السلام): أكان الله ولا شيء؟ قال: نعم، كان الله ولا شيء، قلت:
فأين كان يكون؟ قال: وكان متَّكِئًا فاستوى جالسا، وقال: أَحَلْتَ يا زرارة وسألتَ
عن المكان إذ لا مكان.
انظر لطريقة سؤال
زرارة، حيث لم يسأل مباشرةً عن مراده بل أشار لأنكم تعطونا بعض المقدمات، وأنا
أسير معك عليها، وبعد اتفاقنا في المقدمات يجب أن نتَّفق في النتيجة، فسأل: "أكان
الله ولا شيء؟"، فأجابه الإمام (عليه السلام) بالإيجاب، ثم سأله: "فأين
كان يكون؟"، فقال (عليه السلام): "أَحَلْتَ يا زرارة وسألتَ عن
المكان إذ لا مكان".
أَحَلْت: أي أتيت
بالمُحال، أي أفسدت، ويحتمل أنه أراد القول أنك قلت بالحلول؛ أي حلول الذات
الإلهية المقدسة في مكان.
اكتفى زرارة
بالجواب لأن نفي المكان يعني انتفاء موضوع السؤال.
فائدة:
في كل بحثٍ ينبغي
أن ندور حول الموضوع، وإلا فيحصل الانحراف في البحث مع فقدان الموضوع، وقد يحصل
أحيانًا مع عدم التفات الباحث لفقدان الموضوع أو خروجه عنه.
]١٠٢[
الرواية الثانية: قال الكليني: ورُوِي أنه سُئِل (عليه السلام) أين كان ربنا قبل
أن يخلق سماءً وأرضا، فقال (عليه السلام): (أين) سؤالٌ عن مكان، وكان الله ولا مكان.
السؤال بـ (أين)
سؤالٌ عن المكان، وهذا أفقد السؤال موضوعه فصار مُحالًا كالرواية الأولى.
]١٠٣[
الرواية الثالثة: وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن اليعقوبي، عن
بعض أصحابنا، عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديثٍ
أنَّ رجلًا قال للنبي (صلى الله عليه وآله): أين ربك؟ قال: هو في كلِّ مكان، وليس
في شيءٍ من المكان المحدود.
قال (صلى الله
عليه وآله): "هو في كل مكان"، ثم قال: "وليس في شيء من
المكان المحدود"، والنفي في القول الثاني مُفسِّرٌ لقوله الأول.
وإمَّا أن يكون المكان
مشتركًا لفظيًّا أو مشتركًا معنويا، ونحن نقول أن المكان مشتركٌ لفظيٌّ لا معنوي،
ونفي الحدود نفيٌ للمكان المحدود، لا أنه مشتركٌ معنويٌّ مع كون المكان له حدودٌ
ومميزاتٌ خاصة.
واضع لفظة (المكان)
وضعها لماذا؟ وضعها لموقع الموجود فانتزع الظرفية، لأنك لا يمكن أن ترى مكانًا
مجردا، فما تراه مكانًا لشيءٍ وهو كائنٌ في مكان، فالمعنى انتزاعي، إذا فالوضع لم
يكن لشيءٍ متعيِّنٍ مُتشخِّص، فإذا قلنا أن الله في مكان، لا يصح أن نأتي ونقيس
على هذا المكان، لكنها تُستعمل لأن هذا ما نستطيع أن نقيس عليه، فقال (صلى الله
عليه وآله): "هو في كل مكان"، ولكننا نعرف أن المقصود ليس هذا
المكان عن طريق نفي الحَدِّ عنه، وهو من ذاتيات المكان، فثبت أن المكان غير هذا
المكان.
وعليه فمعنى
الرواية أنه موجودٌ لكنه لا في المكان الذي نتصوره.
تعليقات
إرسال تعليق