الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السابع والخمسون


 

تقريراتٌ مختصرةٌ لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:

 

المقال السابع والخمسون:

 

تتمة الحديث في الروايتين السابقتين:

قوله (عليه السلام): "من عبد الله بالتوهم فقد كفر".

نقول: هناك أمورٌ ينبغي أن يُسدَّ بابها، منها مسألة التوهُّم كما يحصل للبعض أثناء الصلاة، من توهُّم الوقوف أمام ملك، أو غيرها من التوهُّمات.

 

تنبيه:

من مساوئ الاقتطاع من الروايات إيهام بعض المفاهيم الخاطئة، فلو اقتطعنا: (ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر)، وثبَّتنا لها المفهوم، لقلنا: ينبغي أن نعبد الاسم مع المعنى، لكن هذه الجملة لا مفهوم لها، لعدم الانحصار فيها، كما قُرِّر في الأصول. فالاقتطاع إما أن يكون اقتطاعًا صحيحًا وإلا فهو يؤدي لمفاهيم باطلة.

 

قال (عليه السلام): "ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء على المعنى"، ومعنى إيقاع الأسماء مطابقتها بالمعنى، بما لا اثنينية فيه، فالتطابق يُصيِّر الشيئين شيئًا واحدا، فيتطابق (أ) مع (ب) ولا يكون له وجودٌ مختلفٌ عمَّا تطابق معه، وهذا المراد في الرواية، فعندما قال أوقع الاسم على المعنى لا وجود لأمرين بل يحملك الاسم للمعنى.

قال (عليه السلام): "فأولئك أصحاب أمير المؤمنين حقا"، وهي إشارةٌ منه (عليه السلام) لسلامة التوحيد، لأنها شرط صحبته.

 

]٩٣[ الرواية الثالثة: وعنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث أسماء الله واشتقاقها، قال: الاسم غير المسمى، فمَن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئا، ومَن عبد الاسم والمعنى فقد كفر وعبد اثنين، ومَن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد، إلى أن قال: يا هشام، الخبز اسمٌ للمأكول، والماء اسمٌ للمشروب، والثوب اسمٌ للملبوس، والنار اسمٌ للمُحرِق، أفهمت يا هشام؟ قلت: نعم، قال: نفعك الله وثبَّتك.

 

مَن عبد الاسم دون المعنى لم يعبد شيئًا لأن الدالَّ في نفسه لا معنى له، وإنما جُعِل للدلالة على معنًى ما، وليس هو إلا للوصول. أما حال الثاني؛ أي الذي عبد الاسم والمعنى معًا فهو الكفر أيضا، لأن الاسم اكتسب اعتباره من قَرنِه بالمعنى فتثبت الاثنينة وعبادة الاثنين، وهذا كفر.

أما قوله (عليه السلام): "ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد"، فهو يفسِّر ما قلناه من انطباق الاسم على المعنى، وصيرورتهما واحدا، فالاسم أوصلني للمعنى وبعد ذلك لا اعتبار به.

قال (عليه السلام): "الخبز اسمٌ للمأكول ... نفعك الله وثبتك". فماذا فهم هشام؟

الاسم لا يغنيك عن الموجود حقيقة، فلو قلت يا رحمن يا رحمن وأنت لا تعتقد به، فلا ينفعك ذلك شيئا.

 

]٩٤[ الرواية الرابعة: وعنه، عن العباس بن معروف، عن عبد الرحمن ابن أبي نجران، قال: كتبت إلى أبي جعفرٍ (عليه السلام)، أو قلت له: جعلني الله فداك، نعبد الله الرحمن الرحيم الواحد الأحد الصمد، قال: فقال: إنَّ مَنْ عَبَدَ الاسم دون المُسمى بالأسماء فقد أشركَ وكفرَ وجحدَ ولم يعبد شيئا، بل اعبدِ الله الواحد الأحد الصمد المسمى بهذه الأسماء، إنَّ الأسماء صفاتٌ وَصَفَ بها نفسه.

 

ملاحظة: المتردِّد في أنها كانت مكاتبة أو مشافهة هو ابن معروف وليس ابن أبي نجران.

 

وكأن الإمام هنا أجاب ابن أبي نجران: أن كل ما قلت لا يعنيني، وهنا أعطيك القاعدة، وامضِ على وُفقِها.

 

]٩٥[ الرواية الخامسة: وعنه، عن أبيه، عن الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث الزنديق، حيث سأله عن الله ما هو؟ فقال (عليه السلام): هو الربُّ وهو المعبود وهو الله، وليس قولي: الله، إثبات هذه الحروف، ألفٌ ولامٌ وهاءٌ وراءٌ وباء، ولكن ارجع إلى معنًى وشيءٍ خالقِ الأشياءِ وصانعها، ونعتِ هذه الحروف وهي المعنى سُمِّيَ به الله والرحمن الرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه، وهو المعبود جلَّ وعز.

 

هذا الجواب إلى الزنديق فتنبَّه، حيث تختلف الإجابات بحسب حال السائل أو المحاور.

قال (عليه السلام): "وليس قولي..."، إنما هو لضيق العبارة، وركَّز الإمام عليه لرفع الشبهة.

 

فائدةٌ مهمة:

في الغالب يُقاس الحقُّ على ما نرجوه من مظهرٍ خارجي، كأن يضحِّي شخصٌ من أجل قضيةٍ يؤمن بها، فنبجِّله ونجعله قدوة، فنقيس هؤلاء بالمعصومين مثلا، إذ أنه بحسب الظاهر لا فرق بينهم وقد يتفوَّق غير المعصوم عليه بنظرنا، فنقارن بعض الوقائع مثلًا بواقعة كربلاء، ونتساءل: كيف يصحُّ القول: لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. إلا أن المسألة ليست في هذا الظاهر، فعندما يكون المقتول أحد أصحاب الحسين (عليه السلام) كمسلم بن عوسجة وحبيب وغيرهما، فالأمر مختلفٌ لجهة اختلاف اليقين، وليست المسألة مجرَّد الإيمان بقضيةٍ مَّا. وهذه هي مصيبتنا، وهي قياس الأمور بحسب ظاهرها، أما المطلوب فهو الإيمان بقضيةٍ واحدة، وهي قضية الولاية لا غير، وكل ما عدا ذلك مهما كان ظاهره فليس هو المطلوب، فلا تُقاس الأمور بظواهرها وآثارها فقط، وحلُّ الإشكال يكون في بيان أن هذا الفعل الظاهري إذا لم يكن لقيمةٍ أرادها الله تعالى وبنصٍّ واضحٍ لا بتأويل، فهو ظُلماتٌ ولا نور فيه.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مِدادُ أوال من ينابيعِ الخِصال (٢) التوحيدُ أصلُ الأصول

كراهة نيَّة الشر

الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال العشرون