الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة: المقال السادس والخمسون
تقريراتٌ مختصرةٌ
لدرس سماحة السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي (حفظه الله)، في كتاب الفصول
المهمَّة في أصول الأئمَّة، بقلم محمود سهلان العكراوي:
المقال السادس
والخمسون:
تنبيهان:
الأول: نحن نتعلم
القواعد المنطقية والأصولية وغيرها كي نتحرَّك في طريق الاستدلال الصحيح، لا لنتقيَّد
بها، فيمكن أن نتحرَّك بين الأدلة اللِّمية والإنية صعودًا ونزولا، بما ينتج لدينا
نتائج أكثر، وعند القيام بعملية الاستدلال نبين اتجاهنا كي لا يشتبه على القارئ
الأمر.
الثاني: لا بدَّ
من المناقشة فيما نطرحه في الدرس، فما لم نناقش لا نتمكن من ضبط العلم وفهم الدرس
والكتاب، وكذلك لا نساهم في تصحيح فهم الأستاذ ما لم نناقشه، ولا نساعده في الوقوف
على أماكن الزلل التي قد تحصل عنده.
أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما يناسبها - ب١٥ - أنَّ
أسماء الله غير الله، وأنه لا يجوز عبادة شيءٍ من أسمائه دونه ولا معه، بل الواجب
عبادة المسمى بها:
س: أسماء الله
تعالى، هل هي توقيفيةٌ أم لا؟ ولماذا؟
نعم هي توقيفية،
والقطع بها قطعٌ موضوعي، وما دام القطع موضوعيًا فأنا مطالبٌ بها هي ولا أخترع من
نفسي، والوصول بها إلى الله تعالى طريقي، والله سبحانه والذي ينطقون عنه هم الذين
يحددون الطريق إليه تعالى.
وبالتالي لا يصح
أن أضع اسمًا من عندي، فنجد بعضهم يشكل على تسمية (رئيس العقلاء)، بغض النظر الآن
عن صحة الإشكال من عدمها.
]٩١[
الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن محمَّد بن عيسى بن عبيد،
عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، وعن غير واحد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)،
قال: من عَبَدَ الله بالتوهُّم فقد كفر، ومن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر، ومن
عبد الاسم والمعنى فقد أشرك، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي وصف
بها نفسه فعقد عليها قلبه ونطق بها لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك أصحاب أمير
المؤمنين حقا.
]٩٢[
الرواية الثانية: قال: وفي حديثٍ آخر: هم المؤمنون حقا.
عن غير واحد: قد
يصح أن نقول أننا يمكن أن نستفيد الاستفاضة أو التواتر عند الحسن بن محبوب،
ولتحقيق الحال نحتاج للنظر في طُرقه إلى الإمام الصادق (عليه السلام). والاستفاضة هي
وصفٌ للخبر الذي يكون فوق الخبر الواحد وما دون التواتر، وفي هذه الرواية فيما لو
أثبتناها تكون قد انقطعت عند ابن محبوب.
الروايات تنهى عن عبادة
الأسماء، وتدعوا لعبادة المسمَّى، فكيف نتصور عبادة الأسماء؟
تفكير الإنسان له
أمورٌ معدودة، وهي قوامه، ينبغي أن نعرفها ونحفظها، فهي تحمي الفكر من التهافت،
ومنها قيام فكر الإنسان على المقارنة والمقايسة، ومنها استعمال القيود البيانية
والاحترازية في الكلام، وسيتضح دوره في المقام.
في بعض الأحيان عندما
نذكر الله تعالى بأحد أسمائه قد نظن أن هذا اللفظ هو المؤثِّر، وفي الواقع ليس هو
المؤثِّر بذاته، ولا يكون مؤثرًا إلا إذا جعل الله له المؤثرية. انظر على سبيل
المثال فيما لو أخذت الحروف الهجائية وتركيباتها خارج القرآن حتى لو كانت نفس
الألفاظ لا يكون لها خصوصية، فيجوز أن تلمسها مثلا، ولكن يكون لها خصوصيةٌ عندما
نعتبرها قرآنا، فلا يصح أن تلمسها إلا عن طهارةٍ حينها.
هذه الخصوصية
مجعولةٌ من الله تعالى، فعندما تأتي روايةٌ وتقول اقرأ الذكر الفلاني كذا مرة،
فهذه الخصوصية لا يمكن أن تتعدَّى إلى غيرها، فتكرار هذا اللفظ المعيَّن بعدد مراتٍ
محددةٍ له مِلاكه الخاص، ولا تصح تعديته بلا جعل من الله تعالى.
وبالتالي إذا قلنا
(يا قادر) -مثلًا- فما لم نقصد ذات الله عزَّ وجلَّ بالطريق الذي وضعه فهو غير
صحيح، حتى لو وجدت له أثرًا إذا كان من الأمور التوقيفية، فالاختراع غير جائزٍ
لأنه لا قيمة للألفاظ في المقام إلا بالجعل الإلهي، والدعاء بأحد الأسماء كالقادر
أو الرزاق أو العاصم أو غيرها، إنما اخترته لأنها الجهة التي تعنيني في المقام، لا
أنني أدعو الاسم نفسه دون المسمى وهو الله تعالى.
في كلامنا نذكر
قيودًا احترازيةً أو بيانية، فإذا كان الأمر لا يحتاج لبيانٍ زائدٍ يتضح من السياق
أنها احترازية، وهو أسلوبٌ استعمله أئمتنا (عليهم السلام) كما في هذه الرواية، حيث
أن الفرض المذكور لا نتعقَّلُه عادة، ولا نقصد امتناعه عقلا، والقيد هنا للاحتراز
من الوقوع مما وقع فيه الغير، لأن مثل هذه الحالة ظهرت في الصوفية.
قال (عليه
السلام): "من عَبَدَ الله بالتوهُّم فقد كفر"، وهذا منزلق، لأن
فكر الإنسان قائمٌ على المقارنة والمقايسة والممايزة كما ذكرنا، والتوهُّم يؤدي
إلى هذه المنزلقات، وهو كفر، ومعرفة الله قائمةٌ على نفي الأضداد.
والإيمان ليس
بالعقل بل هو بالقلب، وما يؤدي إليه العقل مساعدٌ ومقوي، فقد يكون العالم عالمًا
بالتوحيد وغيره من العقائد، لكنه لا يكون مؤمنا، فنقول أن العالم ينبغي أن يكون
مؤمنا، لكن المؤمن المتدين لا نطالبه أن يكون عالما، وإن كان لطلب العلم فضله،
فليس المطلوب من الجميع أن يكونوا علماء.
تعليقات
إرسال تعليق